شتاء العام 1994 كان قاسياً. .. قاسياً للغاية. كل ما حولك في البلد يشعرك بالألم والأسى… ليلة مظلمة بحق، كانت تلك الليلة على شارع البديع… البديع برونقه وبهاء أهله… الجميل بما تبقى من بساتينه. تتصاعد الأدخنة من الإطارات المشتعلة ويدوي في الآفاق صوت اسطوانات الغاز المنفجرة، ويهجم العسكر… الصالح منهم والطالح في صورة وحشية تارة… دموية تارة و… قاتلة تارات أخرى. هو شريط مؤلم من الذكريات، ترى، من يرغب في الاستدارة… ثم الدوران… ثم العودة الى المربع الأول المريع؟ بعد أن تحقق للبلاد أهم عنصر: الأمن والطمأنينة ودحر قانون أمن الدولة البغيض؟ قد نعاني من بقاء ملفات عالقة مؤرقة كملف التعديلات الدستورية وملف الفساد المالي والإداري وملف البطالة وملف الأجور والملف الاقتصادي والسياسي برمته، لكن ذلك لا يعني أبداً أن نعود الى المربع الأول أو نمضي في خيار احراق المجتمع لكي نتخلص من كل تلك الملفات حرقاً. ولماذا العودة؟ فلتقفل الطرق. اذا كان المواطن (م) قد تعرض لهذا الانتهاك الصارخ من قبل مجهولين اقتادوه الى مكان (ما) فمسحوا كرامته كإنسان وعفروه في الوحل، فهذا الموضوع لا يمكن السكوت عنه إطلاقاً… إن ثبتت صحته ولا ريب، وليس وزير الداخلية الذي عرف عنه تأسيسه لمبدأ الشفافية وصيانة (الحقوق) هو من يسمح بمثل هذه الممارسات، أو يحتاج الى من يذكره بما أسس من لبنات قوية. لكن في كل الحالات، لا أحد يريد العودة إلى مربع منتصف التسعينات الحارق… حري بالشباب الأفاضل أن ينتبهوا الى أنفسهم وألا يقبلوا بتمثيل دور الدمية الساذجة عبر (خيوط) أصحاب الشعارات (البالوناتية)،