محمد الوشيحي

الكايفة.. أحلى جَمَل!

كما نُقلت لي هذه الحكاية سأنقلها، مع مراعاة نسبة الاستهلاك التي هاجمت مخزون ذاكرتي، واستولت على ما خف وزنه وغلا ثمنه، وتركت لي بقايا ذاكرة، لا تقي من برد، ولا تسمن جوع..

جرت فصول الحكاية في بداية هذه الألفية، بعدما تزايد ولع الناس بالإبل، وتسابقوا على اقتنائها، وأضحت من مظاهر الثراء التي يحرص البعض على اظهارها وابرازها.

في تلك الفترة، دخل على هواية «اقتناء الإبل» أناس لا يميّزون الجمل من الناقة، دع عنك بقية التفاصيل.

وكالعادة، ارتفعت الأسعار بطريقة مبالغ بها، بعد دخول الأثرياء، خصوصاً ممن ليسوا من أهل الكار. فهذا تاجر عقار يقتحم الملعب ويشتري «رعية بعصاها»، ببصلها وثومها وقثائها، وذاك تاجر يمتلك وكالة سلسلة مطاعم وجبات سريعة، فاضت أمواله فقرر اقتحام الملعب هو الآخر، وساهم في ارتفاع أسعار الإبل، وثالثٌ تاجر أسهم على المستويين المحلي والدولي، انتفخت أرباحه فقرر مزاحمة تجار الإبل، كي «يثبت انتماءه لشبه الجزيرة العربية» لكل المشككين، ورابع وخامس وعاشر وعشرون ومائة وألف وآلاف، كلهم دخلوا في وقت واحد إلى ميدان الإبل، فأصبحت النياق تنافس العمارات، من حيث السعر.

هنا، لمعت فكرة في ذهن أحد أبناء الكار، من محترفي اللعب بالبيضة والحجر، فقرر عرض ناقته «الكايفة»، التي يتراوح سعرها الحقيقي ما بين مائتي ألف وثلاثمائة ألف ريال سعودي، قرر عرضها للبيع بمبلغ لا يقل عن ستة ملايين ريال! لكن الأمر يتطلب تكتيكاً إعلامياً محكماً، حتى يمكن أن تنطلي الخدعة على أحد هؤلاء الدخلاء الأثرياء.

استخدم صاحبنا الخطة الألمانية في الإعلام، فانتشر شركاؤه في المجالس يتحدثون عن نيته بيع «الكايفة» التي لا ينافسها منافس في جمال الشكل والجسم والسلالة، وانتشرت قصائد المديح في الكايفة، وتداول الناس الرسائل في هواتفهم عن موعد بيعها، وهم يعلمون أن هذه الرسائل ستصل إلى المستهدفين، وإنْ بطريق غير مباشر.

وكانت الرسائل الهاتفية تنتشر بطريقة؛ «تبقّى أسبوع على عرض الكايفة للبيع»، «تبقى خمسة أيام»، «تبقى يومان، يا رب ترزقنا بها»، «غداً ستباع الكايفة، من المحظوظ يا ترى؟»، وهكذا..

في يوم المزاد، وقف صاحبنا الألعبان شامخاً بالقرب من الكايفة، يتفحص وجوه الراغبين بالشراء، وكلما شاهد شخصاً له معرفة بالإبل، اقترب منه وهمس في أذنه: «ابتعد، ليست لك».. واستمر المزاد، المحضّر له سابقاً، وتنافس فريق العمل في رفع السعر، حتى بلغ ستة ملايين ريال، هنا اقتربت سيارة فارهة، فيها رجل يتضح من هيئته أنه لا يفقه في الإبل مثقال ذرة، وسأل الألعبان: «الجمل هذا بكم؟». تبسم صاحبنا، بعد أن سمع كلمة السر؛ «الجمل»، رغم أن التي أمامهم ناقة، وفاوضه إلى أن وافق صاحبنا، على مضض، على بيعها بسبعة ملايين ريال. وغادر المشتري موقع المزاد، فرحاً بما اقتناه، وغادر الناس يتضاحكون، وغادر صاحبنا، مخفياً ابتسامته، متجهاً إلى البنك لصرف الشيك.

هكذا هم «المدرعمون»، في كل المجالات، في السياسة والرياضة والاقتصاد وغيرها، يظنون أنهم هم الفائزون، في حين أنهم باتوا أضحوكة للناس. وما أكثر من يقتحم الميدان متسائلاً بثقة: «الجمل هذا بكم؟».

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *