أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

التحكم بالوقت وصنع الفرص المناسبة

حاورني صديق مبدع وشغوف بالتفكير المنطقي، استهل حديثه قائلا: أعتقد ان هناك مقولة مهمة، أود سماع تعليقك عليها، وبكل لهفة وفضول ومحبة أجبته: تفضل، فرجع للخلف وتنهد، فأدركت عمق ما يود التعبير عنه، فقال: ما تراه مناسبا يأتيك بالزمن غير المناسب، وفي الزمن المناسب يأتيك ما تراه غير مناسب. فهمت قصده ومراميه من كلماته ومن نظراته، وهو ينتظر سماع ردي، لكنه استطرد قائلا عبارتي فيها زمن وأمنية، والكلمات متشابهة في الوهله الاولى، لكن في التمعن والإحساس بجوهرها نكتشف ان الحياه تمر فينا بأمنيات تختلف عن الزمان، يعني تجد ما تتمناه بزمن سابق، لكنه موجود في هذا الوقت، فنقول يا ليت اللحظة تأتي بك في الزمن الذي تريده، يعني أن تجد ما تتمناه بزمن سابق، لكن موجود في هذا الوقت.
قلت له: نعم تلك حقيقة، وفيها يصدق قول الشاعر:
ما كل ما يتمناه المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهى السفن
لكنني ممن ينتمون الى مدرسة التفاؤل، ولذلك أؤمن بأن فرص الحياة تتاح وتعود لتتكرر، فتفسح لنا فرصة تحقيق ما تمنيناه، بل إن التحكم بالوقت يصبح ممكنا لنحقق أمنية، ربما نعتقد أن الزمن تجاوزها ولم تأت في الوقت المناسب. قال ربما أنت تبالغ أو غير واقعي، قلت له أبدا فتلك حالة إنسانية مجربة وممكنة، قال حديثك متفائل، وفيه أقبال على الحياة! لكن هل يمكن أن توضح ما تعني، قلت طبعا أولا ينبغي أن نثق بالله سبحانه وتعالى، وان ما كتبه لنا ويسره هو خير، وأن أحوالنا متبدلة بحوله وقدرته ولطفه، فكم من مريض ظن أن طول مدة مرضه لن تتيح له فرصة العودة الى الحياة الطبيعية، وظن أن الزمن المناسب مضى فيكتشف وهم ذلك، وفي قصة سيدنا أيوب ما يؤكد ذلك، وكم من عقيم اعتقدت أن قدرتها على الولادة قد تلاشت، فإذا بها تحمل وهي في عمر وزمن ظنت أن ما تتمناه لن يتحقق، فحملت، وفي قصة سيدنا زكريا وزوجته نموذج لذلك، وكم من يتيم شعر بالوحدة والفقر وجاءه شعور أنه لن يخرج من دائرة البؤس، فتبدلت أحواله غنى ورخاء. وفي قصة الغلامين اليتيمين في سورة الكهف شاهد على ذلك، ونماذج القصص وتبدل الأحوال حقيقة واقعية وليست ضربا من الخيال، وربما تتفاوت فرص الناس في تحقيق أمنياتهم بزمن لم يحسبوا له حسابا، ظناً منهم أنه فاتهم الزمن وانتهى الأمر، فتأتي الفرصة وتفتح لهم مكنة ملك الوقت وتحقيق مراده، فهناك من يبدل حاله ويحقق مراده كاملا، وآخر يحقق %75 منه، وثالث %50 منه، ورابع يحقق %25 منه، وهم جميعا ملكوا إرادة التغيير وصنع الفرصة بإقبالهم على الحياة وعدم الاستسلام، ومن سار على الدرب وصل، لأنه حقق المراد كاملا، أو جعل الـ%25 هي مفتاح سعادة حياته وبهجتها.
ابتسم صديقي ودبت الحيوية فيه، وأقول لكم ولكِ أنتِ ولكَ أنتَ، لا يأس مع الحياة، وذلك قدر الله عز وجل في تبديل أحوال خلقه.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *