عبدالله النيباري

حرث الحكومة… بلا ثمار

“فجوة مخيفة إذا لم ينجح الإصلاح المالي… وعجز الموازنة 12.9 مليار دينار”… هكذا كان عنوان جريدة القبس الرئيس يوم 24 يناير الماضي، وفي التاريخ نفسه، جاءت افتتاحية “الجريدة” بعنوان “مَن يجرؤ على القرار؟”، ومثل هذه العناوين تعكس المخاوف مما نحن فيه، والنظرة المظلمة للمستقبل.
الجواب عن تساؤل “الجريدة” مَن يجرؤ؟ هم مع الأسف المسؤولون، الذين لا يمتلكون الجرأة المطلوبة لتحقيق الإصلاح الذي تطلبه “القبس”.
العجز في الموازنة، المقدر بنحو 13 مليار دينار للسنة المقبلة سيستمر، فالتقديرات لأسعار النفط لعام 2016 ستكون في حدود 40 دولارا للبرميل، وفي عام 2017 ترتفع إلى 50 دولارا، في حين نحتاج إلى سعر 67 دولارا، لتحقيق تعادل الموازنة.

اقتراحات جزئية

الحكومة والبرلمان لايزالان ينظران في اقتراحات جزئية تتناول بشكل رئيس أسعار البنزين، وربما المنتجات الأخرى وأسعار الكهرباء، وأقصى ما يمكن تحصيله، وفق هذه الاقتراحات، لا يزيد على 500 مليون دينار، بينما العجز بالمليارات.
وإذا كان المطلوب تحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات، فلابد أن يكون سعر البرميل 67 دولاراً في المرحلة الحالية، كما أن السعر المطلوب في عام 2021 هو 92 دولارا للبرميل، وعام 2026 نحتاج إلى سعر 130 دولارا، وعام 2040 نحتاج إلى سعر 223 دولارا، في حين توقعات أسعار النفط لا تصل إلى هذه المعدلات، فهي بحدود 40 دولارا لعام 2016 و50 دولارا لعام 2017.
وهذا كله على أساس أن المصروفات العامة تتزايد بمعدل 7 في المئة في المتوسط، وأحيانا تصل إلى 10 في المئة وأكثر.
أفق الإصلاح المطروح من الحكومة لن يكون كافيا لمعالجة الوضع المالي، خصوصا أن الحكومة تخرج علينا بأوجه إنفاق مروعة ومخيفة، كصفقة شراء طائرات بمبلغ 8 مليارات دولار، وهي صفقة لن تفيد في تحول قدرتنا الدفاعية بمعدل نوعي، والحقيقة أن المستفيد هو الوكيل… فما الحل؟
الحل، هو أن نتصرف كما تفعل بلاد العالم، غنيها وفقيرها، فكل الدول تمول مصروفات الدولة عن طريق الضرائب على الدخل والأرباح والرسوم على الواردات ورسوم البلديات، وحديثا أضيفت إليها الضرائب على المشتريات.

الإصلاح

حكومتنا تغرقنا بتصريحات، بأن الإصلاحات لن تمس جيوب ذوي الدخل المحدود، ولن تزعج أصحاب الدخول المرتفعة والثروات، فمن أين يأتي الإصلاح إذن؟!
إلغاء الدعم برفع سعر البنزين والكهرباء قد يكون مستحقاً، لكن لن يوفر أكثر من 2.5 في المئة في أفضل الأحوال.
وقبل النفط، فرض الكويتيون الضرائب على أنفسهم، والخلاف بين التجار والشيخ مبارك الصباح كان بسبب ارتفاع الضرائب المرهقة (التي كانت بلا قانون)، وعندما فتحوا المدارس النظامية بادروا بفرض الضرائب لتمويلها، وكذلك عندما أرسلوا البعثات إلى الخارج في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، قبل تدفق أموال النفط، عندما كانت أعلى المداخيل تقدر بآلاف الروبيات، ونادرا بعشرات آلاف الروبيات، فهل يعجز المجتمع الكويتي الآن عن تحمُّل نصيبه لتمويل مصروفات الدولة، في وقت دخل فيه أثرياؤنا قوائم أصحاب المليارات على مستوى العالم، ومعظم هذه الثروات المليارية جاءت من المال العام؟!

اتجاه خاطئ

رفض ذوي الدخول المحدودة تخفيض الدعم أو تخفيض المرتبات والمزايا لا يعود لإنكار مسؤوليتهم في تحمل نصيبهم من أعباء الدولة، لأنهم يرون أن إجراءات الحكومة تسير في الاتجاه الخاطئ، ومخالفة لميزان العدالة، فتحمل الأعباء يكون وفق المقدرة، تبدأ بالأعلى دخلا وتتدرج إلى الأدنى.
نظام الضرائب على الدخل والثروات، المعمول به في كل بلاد العالم يكون متدرجا وفق شرائح الدخل على الجميع، ولإعطاء أمثلة رفع رسوم على الواردات بنسبة 10 في المئة، وقيمتها التقديرية تفوق 7 مليارات دينار، ما يوفر 700 مليون دينار، وحجم المدخرات في الاقتصاد الكويتي يبلغ 25 مليار دينار، وبافتراض أن نصفها للحكومة، فالباقي 12.5 مليار دينار هي مدخرات القطاع الخاص، فإذا كان المطلوب جرأة في انتهاج الإصلاح الجاد، فما علينا إلا الاتجاه الذي تأخذ به جميع شعوب العالم بتحمل أعباء تمويل الدولة بعدالة وفق المقدرة.
أما حرث الحكومة ومجلسها “بكم فلس” نرفع الكهرباء والبنزين، فهو أمر لا ينتج ثمراً.
اسلكوا الطريق الصحيح… فالشعب يتقبل تحمل نصيبه من الأعباء، وغير ذلك ستبقى حكومتنا غارقة في فنجان، أو كمن يحرث في البحر.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *