سعيد محمد سعيد

«مجانين الخليج»… أعقل العقلاء

بالتأكيد، لم يكن الباحث الأكاديمي الكويتي محمد الرميحي، وهو أستاذ وكاتب وإنسان صاحب مواقف لا نفاق فيها ولا (صبغ بروش)، لم يكن يقصد المفكرين والسياسيين والناشطين الحقوقيين والداعين إلى الإصلاح في دول الخليج العربي حين استخدم المثل الشعبي: «جود مجنونك لا يجيك إللي أجن منه»، فهؤلاء أصحاب الدعوات الصادقة الخالصة هم أعقل العقلاء بالطبع.

الأصوات المطالبة بالعدالة الاجتماعية والإصلاح وتعزيز الديمقراطية في دول الخليج العربي – من مختلف التيارات والطوائف والانتماءات – إنما هم في نظر الكثيرين، وأنا واحد منهم، ليسوا دمى في يد الغرب أو أتباعا أو أذنابا أو ذوي أجندات خارجية كما جرت العادة (المكررة الكريهة) في الإعلام، لوصف أي صوت يرتفع مناهضًا غياب العدالة وانتشار الفساد والظلم وانتهاك حقوق الناس، بل هم «صمام أمان» حقًا، وما الدور الذي يقومون به إلا أصدق دليل على وطنيتهم وتفانيهم وإخلاصهم لأوطانهم.

هل يمكن أن يكون هؤلاء (مجانين)؟ بالتأكيد لا. ففي الجلسة الأولى للملتقى التشاوري الثاني للملحقين الثقافيين العرب في البحرين يوم الأربعاء الماضي (17 فبراير/ شباط 2016) بمركز عيسى الثقافي، طرح الرميحي أكثر من محور مهم، لكن المحورين اللافتين هما ما ساقه بشأن الدول القمعية باعتبارها مصدرًا لإنتاج «داعش»، وفي هذا السياق دعا الدول الخليجية إلى اتباع المثل المعروف «جود مجنونك لا يجيك إللي أجن منه»، في التعامل مع الوضع الحالي، وبقليل من البحث والتأمل فإن الرميحي يلفت إلى أن «الإصلاحيين في الخليج بشكل عام»، ممن يعملون تحت مظلة أوطانهم وداخلها ومن أجلها، هم أفضل من الفيروسات الإرهابية المدمرة، وإن اعتبرتهم بعض الحكومات «مجانين» أو ما شابه، فهم بالطبع أفضل من المنتج «الداعشي» الذي يخلو من كل معطىً إنساني، ديني، وطني أو حتى سياسي.

أما المحور الثاني المهم، هو أن الرميحي كان واضحًا ومدركًا ورابطًا بذكاء بين «المجانين العقلاء» و«استشراف القادم من الأيام»، فدول الخليج بحسب وصفه أخذت تذكرة «يا نصيب» من ربيع العرب – حسنا ما استخدم من وصف- ولم تشتر معها بوليصة تأمين من الداخل والخارج، وهذا الوضع في الدول العربية عمومًا هو «وضع سوداوي»!

من المهم أن تتغير النظرة إلى الشخصيات والرموز السياسية والحقوقية على وجه التحديد، ومنهم أولئك المطالبون بالتحول الديمقراطي المبني على العدالة الاجتماعية والقضاء العادل النزيه ومكافحة الفساد وتحقيق المساواة والمواطنة الكاملة بين أبناء الشعب بلا تمييز مذهبي أو عرقي أو طبقي، وهذا التغير مطلوب من الحكومات الخليجية والعربية والإسلامية في أسرع وقت ممكن، وخصوصًا بالنسبة للحكومات الخليجية، فسلامة الجبهة الداخلية في ظل الظروف التي تشكل خطورة بالغة في الإقليم الملتهب، هي أهم موقع يتوجب أن تتلاقى فيه كل طاقة الوطن، ولابد من حركة تصحيح سريعة، فكل التنبؤات تشير إلى أن موجة الدمار القادم ستلتهم كل من يتهاون في القراءة الواقعية، من قبيل أولئك الذين يعتمدون على المهرجين والمطبلين والمنافقين ليسمعوا منهم ما يدغدغ عواطفهم فقط، دون الوصول إلى حقيقة الأوضاع.

على أية حال، في دول الخليج العربي، مفكرون ونخب ثقافية وأساتذة جامعات وسياسيون وحقوقيون وإعلاميون وكتاب وخبرات في كل المجالات قادرة على أن تكون منطلقًا للتباحث الحقيقي الصادق مع الحكومات لطي صفحة الصدام السياسي والتأزيم، والدخول في تفاهم ينقذنا من أتون النار التي يزداد أوارها… فلماذا لا تتم الاستعانة بهذه العقول، ونذهب إلى أولئك المطبلين والمنافقين من هواة «منبر النفاق» وإعلام التلميع والتطبيل ومشايخ الطين المتاجرين بكل شيء حتى بضمائرهم؟

اختصارًا، يمكننا التأمل في عبارة المفكر السعودي عبدالله القصيمي «أكثر الشعوب المتحضرة تنتقد نفسها وأشياءها، أما الشعوب العربية فإنها لا ترى فرقاً بين النقد والخيانة»، وأخرى منسوبة للشيخ جمال الدين الأفغاني «لن تنبعث شرارة الإصلاح الحقيقي في وسط هذا الظلام الحالك إلا إذا تعلمت الشعوب العربية وعرفت حقوقها، ودافعت عنها بالثورة القائمة على العلم والعقل»… العلم والعقل، وليس التلميع والتطبيل والنفاق والمتاجرة بالأوطان.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *