محمد الوشيحي

أوقفوا مجلة العربي… وحملة النواح

قبل أيام، أطلق المثقفون، أو المهرطقون، أحفاد عمر الخيام، والعياذ بالله، الذي كان يهتم بعلوم الطبيعة والرياضيات والفلك، وما شابه من العلوم التي تحرر العقول، عليه من الله ما يستحق… أقول، أطلق هؤلاء المهرطقون، في الكويت والخليج والعالم العربي، حملة بكائية كبرى، على قرار إيقاف مجلة العربي، ذات المجد التليد. يقود هذه الحملة، من الكويت، سعدية المفرح وعبدالهادي الجميل وآخرون من عشاق مجلة العربي، وعشاق الموسيقى والفنون والعلوم والثقافة وبقية الترهات.
تكفل الزميلان وصحبهما بتوفير أكياس الرمل، مجاناً، لكل من أراد أن يحثو التراب على رأسه وهو ينوح، إذ لا يجوز النواح على الناشف. وتكفلوا، كذلك، بتوفير قبضتين قويتين لكل من أراد تمزيق ثيابه، وهو يصرخ صراخ ثكلى، حزناً على “وأد مجلة العربي، منارة الثقافة والعلم والتاريخ العريق”، كما عبر بعضهم. وكنتُ طوال تلك الفترة أرفع ذراعي بالدعاء: اللهم اصرف عيون الحكومة عن مطالب هؤلاء. اللهم اجعل من بين أيدي الحكومة سداً، ومن خلفها سداً، فإذا هي لا تبصر! وإن أبصرت لا تهتم، كعادتها مع مطالب الشعب.
ولو كان الأمر بيدي، أو بيديّ، لخنقت بهما عبدالهادي الجميل إلى أن يجوع ويموت، ولرفعتهما بالدعاء على سعدية المفرح، إلى أن تبكي وتنوح، قبل أن أهمس في أذنيهما ومن معهما: خبئوا مجلة العربي عن أعين الحكومة، ما دامت غافلة عنها. خبئوها في هذه الفترة، كي لا يتم تدنيسها وتشويه تاريخها. خبئوها قبل أن يجبرها الفاسدون على حمل المباخر والطبول. خبئوا “المجلة البرنسيسة”، ذات القبعة المائلة والابتسامة المميلة، الفاتنة الهادئة الشامخة، قبل أن يُلبِسوها بدلة رقص رخيصة عارية، وتبحث عن طاولة أصحاب النفوذ لترقص فوقها. خبئوها أرجوكم، كي تبقى صورتها ناصعة في أذهاننا. خبئووووها عنهم.
سيداتي سادتي، المهرطقات والمهرطقين، بالله عليكم، ألم تحزنوا، في السنوات الأخيرة، على كل هذه الصور الجميلة التي تساقطت من على جدراننا؟ ألم تحزنوا، على سبيل المثال، على الصورة السابقة لنجوم كبار في الرياضة والفن والسياسة والثقافة وغيرها، شوهتهم المرحلة فإذا بوجوههم تتفحم، وإذا بروائح كريهة تفوح منهم، بعدما كانوا معشوقي الجماهير؟ ألم تحزنكم بعض وسائل الإعلام الكويتية الرزينة، أو التي كانت رزينة، فإذا بها تشد الربطة على خصرها، وتطرقع علكتها، وتسيح حمرة شفاهها الفاقعة على خدها وحنكها، بصورة مقززة…؟ ألم تحزنوا عليها، وتتمنوا لو أنها توقفت قبل ذلك، أو ماتت؟ ولن أذكر أسماء، لأن لكم عيوناً تقرأ، وعقولاً تفهم.
طيب لندع الكويت ونحلق في الوطن العربي… بالله عليكم ألم تحزنوا على دريد لحام وميادة الحناوي؟ ألم تحزنوا على أمثالهما من الفنانين العرب، والشعراء “الأباندة” الذين شوهت السلطات صورهم؟ ألم تتمنوا مثلي لو أن أرواحهم فاضت قبل أن يدنسها المدنس؟ ألم تفرحوا، مثلي، أن عبدالحليم حافظ وعبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وسعاد حسني وغيرهم ماتوا قبل أن تجبرهم السلطات على سلوك درب دريد لحام؟
قصر الكلام، خبئوا مجلة العربي واصمتوا، فضلاً، إلى أن تستفيق الكويت، وتغسل وجهها من غبار هذه المرحلة، وتخرج من غرفة الملاحظة، لترضع بثديها “مجلة العربي”، فتركض مجلتنا إلى حيث مكانها ومكانتها، فوق المنصة، لتنثر، من علٍ، ورود الثقافة والعلم وطبائع الشعوب.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *