أ.د. غانم النجار

عندما تتحول الاختلافات إلى قوة

من دون اللغة لن تفهم السياسة، ولا المجتمع، وحتى إن فهمت فسيفوتك منهما الكثير. فكم من حروب قامت بسبب سوء تفسير للمعنى، أو بسبب ضعف في فهم اللغة.
وربما لن نجد ذلك أوضح من الهند، إذ يشير إحصاء ١٩٦١ إلى وجود ١٦٥٢ لغة. وبالطبع ليست كلها لغات بالمعنى المتعارف، فهناك مثلاً ٦٥ ألف إنسان يتحدثون بـ ٥٢٧ لغة.
في أواخر عام ١٩٥٢ مات شخص يدعى بوتو رامولو، بعد إضراب طويل عن الطعام لمصلحة إنشاء دولة للتالغو. وتلت موته حالة تمرد عنيفة، مما اضطر الحكومة إلى التصويت لمصلحة إنشاء ولاية أو (دولة) أندرا برادش، التي جعلت من لغة التالغو لغة رسمية.
تلك التعددية اللغوية الفائضة كانت تعكس صراعاً سياسياً وعرقياً ودينياً. ومع أن باكستان قررت الانفصال عن الاتحاد، واعتمدت لغة “الأوردو”، فإن ذلك لم يحل المشكلة، حيث ظلت قائمة بين اللغتين الهندية والهندوستانية، لأن الثانية لغة توفيقية مع الأوردو. ووفق “كالفي” عندما تم التصويت سنة ١٩٤٩ على اللغة الرسمية، حازت “الهندية” ٧٨ صوتاً و”الهندوستانية” ٧٩ صوتاً، وبالتالي اختار الدستور الجديد حل الانتظار، بأن تبقى اللغة الإنكليزية لغة رسمية لـ ١٥ عاماً، ثم تحل الهندية محلها. إلا أن تطور الأحداث لم يسعف اعتماد لغة واحدة، فتم مجدداً التصويت سنة ١٩٦٣ للإبقاء على الإنكليزية بالإضافة إلى الهندية، وتم اعتماد ولايات أو (دول) الاتحاد لغات رسمية متنوعة. علما بأن كلمة “الهند” ذاتها غير موجودة في أي من تلك اللغات.
وربما يعكس التعدد اللغوي المذهل واحداً من أبرز التحديات التي تواجه الدولة، مما يتطلب مرونة عالية في التعامل مع مواقع التباين والاختلاف، أياً كان نوعه ومصدره، لغوياً أم عرقياً أم دينياً أم غير ذلك.
بالطبع هناك دعوات متطرفة لإعلان الهند دولة هندوسية، يعززها وصول حزب قومي متشدد للحكم، وأن غالبية الهنود من الهندوس، ولكن في المقابل فإن مزاج “الهند الأم”، كما أكد لي عدد من الأكاديميين الهنود، لايزال ملتزماً بالتعايش السلمي وتقبل الآخر.
استطاعت الهند أن تصمد رغماً عن الظروف الإقليمية والدولية المناقضة لاستمرارها موحدة، ورغماً عن الفقر المدقع، والتباين الحاد، بينما لم تستطع باكستان الصمود كدولة قائمة على الهوية الدينية الإسلامية عندما قررت الانفصال، مدة ٢٥ عاماً، حيث اشتعلت حرب ضروس بين باكستان الشرقية مع الغربية، انتهت بتأسيس دولة جديدة عام ١٩٧٢ اسمها بنغلاديش، إسلامية الهوية، سنية المذهب، ولكنها بنغالية العرق واللغة. كم من الدروس علينا أن نتعلم؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

أ.د. غانم النجار

أ.د. غانم النجار
twitter: @ghanimalnajjar
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *