سعيد محمد سعيد

كابوس مواطن بحريني (5)

الجزء الأخير من الحلم الكابوس: تساءل الكثيرون عن سر اختفاء الخالة (العجوز أم عكاز)، حتى أولئك الذين (صادهم الراش) بضربات عكازها، كانوا (يهمزون) رؤوسهم ويسألون السؤال ذاته؟ وأنا من بينهم أيضًا… ألست مواطنًا بحرينيًّا؟

«خلاص… لم تروني بعد اليوم، جئت لألقي عليكم الحجة وأختفي إلى الأبد… خاطبتكم أكثر من مرة… أيها البحرينيون.. أيها البحرينيون.. وكأن على رؤوسكم الطير! عيونكم مفتوحة نحوي وعقولكم (ما أدري وين هايمة)! ما منكم رجاء ولا فائدة… عمومًا، هذا آخر لقاء لي معكم، وسأتلو عليكم آخر خطاب». عاد ذلك الرجل المجهول الذي ترك الهضبة بالأمس… هو ذاته الرجل الذي كان يخطب فينا منذ بداية الحلم / الكابوس… والذي لم نفهم منه شيئًا سوى أنه كان يريد أن يتكلم ولا يتكلم! والغريب، أنه لم يرجع لوحده، بل عاد ومعه ذلك الخروف الذي هرب من الخيشة… البعض منا غضب وصرخ حتى تطاير الشرر من عينيه، والبعض منَّا ضحك بشكل هستيري (وانبطح أرضًا) والبعض الآخر أخذ قراره الأخير وفرَّ من المكان… كان البعض يترك المكان مفردًا والبعض الآخر في مجموعات، أما الذين بقوا فكانوا يحملون بصيص أمل لما بلغوا من الحيرة مبلغًا جعلهم يرون مستقبلهم ومستقبل بلادهم غامضًا.

«اسمعوا حبايب قلبي… سمعوني عدل… هذا الفاسد… بل نموذج الفساد الأول في العالم أجمع… وأقصد هذا الخروف الذي في الخيشة، لم يعد له مكان بيننا لا هو ولا نسله وجماعته… لقد تمكن من الهرب كما رأيتم، لكنني تمكنت من القبض عليه وإعادته لتتم محاكمته أمامكم، لكنني أنتظر تلك المرأة العجوز الطيبة… أين هي؟».

الغريب والمضحك في الأمر، أنني وسط صمت الجميع، استغربت من وجود الشخصية الكارتونية التي يحبها آلاف الناس موجودة بيننا… «شامبيه». وهو الوحيد الذي تحدث : «هييي.. اسمأني أبويه… سار لك خمسة الأسابيع وأنت يالس تتقنبل على الناس… شو هسبالك إهنه بهايم… إزا كلام ما هست في مخابيك… يفيد الناس… خو سد هلجك وفارج.. كلهين تالع تشلخ»… سكت شامبيه عندما عادت العجوز وهي تلوح بعكازها وصرخت في وجه صاحب الهضبة: «رديت مرة ثانية… تدري الديرة مليانة مشاكل والناس أوضاعها كلما لها وتزيد… غلاء معيشة… معاشات دايخة… أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية تعبانة… وأنت وأمثالك لم تملوا من ضجيج النفاق… اسمعني عدل، فأنا أعلم من أنت؟، أنت من القوم الذين يظهرون أمام الناس برياء وتظاهر لتقولوا أنكم تحملون هموم أهل البلد، أما أنتم فلستم سوى حقنة تخدير فاشلة.

«عدل كلامك يا خالة عدل»… هكذا صرختُ هاتفًا وصرخ معي بعض الناس: «إي نعم… كلامها عدل… ما غرقنا إلا بسبب هالمنافقين… في المساجد نفاق… في الإعلام نفاق… في المجالس نفاق… ومنذ سنين، لم يكن بين هؤلاء إلا القلة النادرة ممن يوصلون أوضاع الناس الحقيقية للمسئولين، همهم الأول هو حصولهم على الأعطيات حتى لو كانت فتاتًا»، أما العجوز فقالت هنا بيت القصيد… أوضاعنا كلها صعبة، لكن الحل، أن تنزل أنت من على الهضبة وتأخذ خروفك وترحل حالاً كما رحل بن زيدان في مسلسل نيران… وإذا تريدون رؤية الغد المبهج مع شروق شمس الغد، ليجلس أهل البلد بكل صراحة ومكاشفة وإيمان وقناعة بأن البلد للكل والكل للبلد، ونبدأ في إصلاح كل ما تهدم… بعدالة.. العدالة ثم العدالة، ولا شيء غيرها». كلام العجوز جعل الرجل وخروفه يهربان من جديد… والبعض لحق بهما… واحد حامل لوح… واحد حامل طابوقة… واحد في يده مطرقة… أما البقية، فكانوا يأملون في أن يلتئم شمل الجميع، ويدخلوا من باب (الديرة) إلى بر الأمان. كدتُّ أبكي مما شاهدتُّ في ذلك الحلم، إلا أن أمرًا واحدًا جعلني أموت من الضحك وأستيقظ من هذا الكابوس، ألا وهو «شامبيه» حين وقف ودفع عربة ونادى بين الناس: «نوفيش… ألوج… هب شمسي… عنجكك… درة… بيز مفيوح… سمبوسة جباتي… شاي كرك وتاخزون فرة بالقدو».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *