أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

استهتار بشؤون البلد

أليس من حق الناس أن يغضبوا؟ أوليس من حقهم أن يعبّروا عن استيائهم؟ أوليس من حق الناس أن يستنكروا سوء الإدارة التنفيذية للبلد؟ أوليس من حقهم أن يسخطوا على مجلس الأمة في عجزه عن الرقابة وتقويم الحكومة؟ أوليس من حق الشعب أن يشجب حكومة ومجلساً أتيح لهما كل أسباب النهوض بالبلد وإصلاحه وتقدمه، لكنهما أضاعا تلك الفرصة، ربما لالتهائهما بمصالحهما الخاصة، أو عدم تقييمهما الصحيح لشؤون البلد وبالناس، ونظرتهما ربما غير المكترثة، بل والمتعالية على الناس؟
نعم من حق الناس كل ما سبق، فقد أتيح لنا فرص تعديل اعوجاج البلد مرة تلو الأخرى، وفي كل مرة نضيع الفرصة عن استهتار وتهاون، هذا إذا أحسنا الظن، فقد أثبتت التجربة تلو الأخرى أن من يتولون أمورنا دائماً وأبداً أقل من مستوى المسؤولية، والعديد منهم يدخلون معارك ومنازلات مختلفة، ليصل إلى منصبه أو يحافظ عليه، ولم ينظر الكثير منهم للمنصب، إلا على أنه تشريف وفرصة للتكسب أو الوجاهة الاجتماعية، سواء كان وزيراً أو عضواً في مجلس الأمة، ولا يرى فيه أي مسؤولية أو تكليف، وهو ما دمر البلد وأضاعها.

فقد تأمل الناس بعد التحرير من الغزو العراقي أنه سيتم بناء كويت جديدة واعدة تخرج من رحم معاناة الاحتلال، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فرغم أن تعداد السكان كان بعد التحرير في حدود المليون ونصف المليون، فجأة تضاعفت الأعداد وبلغ التعداد أكثر بمليون ونصف المليون عن عددهم ما قبل الغزو، ليصل إلى 4 ملايين و300 ألف، فزاد سماسرة تجار الإقامة والشركات الوهمية والعمالة التي لا لزوم لها.
مررنا بتجربة احتراق آبار النفط وانخفاض إنتاجه وتدني أسعاره، وكانت تلك تجربة قاسية منذ بداية التسعينات وحتى بداية 2002، ثم بدأت أسعار النفط ترتفع لتصل أسعارا قياسية كسرت حاجز الـ120 دولاراً، وفجأة تضخمت الميزانية من 4 مليارات دينار لتتضاعف خلال سنوات حتى بلغت 24 مليار دينار، وقد استمرت الميزانية على هذا المنوال منذ عام 2005 وحتى العام الحالي أي ما يزيد على عشر سنوات، ولم نرَ آثاراً لمشاريع رائدة وتنموية تغير أحوال البلد اقتصادياً وصحياً وتعليمياً وبنى تحتية! إذاً أين ذهبت المليارات وفيم أنفقت تلك الموازنات؟ ومن المسؤول؟ وكيف نحاسبه؟ وأمام أي جهة عادلة نخاصمه؟ أين الحكومات وفيم كانت تلتهي، ولم لم تحسن إدارة العمل التنفيذي وموارد البلد؟ أين مجالس الأمة وأقطاب المجلس وزعاماته وحكوميوه ومعارضوه؟ لماذا لم يحسنوا إخراج مشروع قانون واحد يحقق نقلة تنموية أو يوجه الحكومة نحو ذلك؟
ألا يفهم أنه الاستهتار بمسؤولية البلد! إنه الاستهتار بمكانة الشعب ومقدّراته! إنه الاستهتار بمشروع بناء الدولة! إنه الاستهتار بالتسابق المحموم للتكسّب الشخصي والتنفيع الفاسد والإنفاق التبذيري والتعيينات الانتخابية والترشيحات والمناصب لكسب الولاء وحشد الأنصار أو القبيلة أو الطائفة أو الفئة، وتأجيج الصراع! إنه الاستهتار الذي أضاع البلد، ولا حياة لمن تنادي؟ ولذا من حق الشعب أن يستنكر وأن يشجب وأن يسخط وأن يغضب، ليكون قراره إقصاء من في الطبقة السياسية الذين أثبت فسادهم منذ اثني عشر عاماً وحتى اليوم، ولينفض عن البلد ممارساتهم الفاسدة والمفسدة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *