عبدالعزيز الجناحي

رداً على «المُعتذر»: حول الجهاد.. وذات «غيفارا» المصونة!

فاجأني اعتذار «الطليعة» لقرائها، لما تضمَّنه مقال كتبته تحت عنوان «يندرباييف.. خطاب.. دوداييف.. الذين صفعوا الدب الروسي!»، مثلما فاجأ الكثيرين غيري.. والمفاجئ، هو «السابقة»، بأن تستنكر صحيفة رأي أحد كُتابها، وهي التي أجازت نشره، لكن يبقى هناك جانب مشرق، بأن تسمح إدارة التحرير بنشر مقال يخالف فكرها وتوجهها، وأن تسمح كذلك بنشر تعقيبي هذا، فهي نقطة تحسب لها.

ولأن رحابة الصدر والحوار المثمر، هو ما يستقبلني به الأستاذ رئيس التحرير عبدالله النيباري (بومحمد) في مكتبه «المنور»، المطل على شارع الصحافة، وبسبب ابتسامة الزميل مدير التحرير علي العوضي (بوأنور)، رغم تأخري الدائم في تسليم مقالاتي، فالرد هنا يجب ألا يكون على «الطليعة»، احتراماً وتقديراً، إنما على «المعتذر» نفسه، الذي كتب «الاعتذار» وفضَّل إخفاء اسمه خلف اسم الطليعة.

«المعتذر» الذي ختم مقاله بالهمز واللمز حول «الجهاد»، يذكرني بكولن باول، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ليس «للونه» أو «الكرافتة» التي تزين صدره، إنما بتلاقي رغبتيهما بطمس «الجهاد» والنيل منه، فـ «باول» منذ تعيينه وزيراً في مطلع العقد الماضي، راح يسعى ـ وسعيه مش مشكور ـ خلف زعماء العرب و«الأزهر»، ضاغطاً ومتأملاً وقف العمليات الفدائية الفلسطينية، وإقناع الفدائيين الفلسطينيين، بضرورة طمس مفهوم الجهاد في المنطقة، وكون «المعتذر» تساءل ساخراً عن مكاسب الجهاد، ودوره في القضاء على قوى الشر والاستعمار، والتي حصرها في «بن لادن» و«داعش»، وهو شيء من قصر النظر وضيق الأفق، لذلك، سأترفع في مقالي هذا وأربأ بنفسي عن الرد بتقديم شواهد وأدلة للجهاد في مرحلة «صدر الإسلام»، الذي لولا «مكاسبه»، لكنت يا سيدي راكعاً لـ «هُبل» في مكة، أو مهرولاً حول «نار» في فارس، أو ساجداً لـ «بقرة» في الهند، وسأكتفي بطرح مكاسب نماذج جهادية من العصر الحديث.

أول هذه النماذج، الحركة السنوسية الجهادية التي واجهت المستعمر الفرنسي في تونس، بقيادة المجاهد محمد السنوسي، وحاربت المستعمر الإيطالي في ليبيا، بزعامة «أسد الصحراء»، المجاهد عمر المختار، وبفضل حركة الجهاد المستمرة هذه كان المكسب أن طُرد المستعمر الإيطالي من الأراضي الليبية العربية.

كذلك، من النماذج التي أخذت أسلوب الجهاد سبيلا، المجاهد عبدالقادر الجزائري، الذي حمل لواء الجهاد في الجزائر 15 عاماً في وجه المحتل الفرنسي، ثم أكمل مسيرته العالم والمجاهد عبدالحميد بن باديس، مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي كانت أول أهدافها حمل لواء الجهاد ضد المحتل، وبفضل هؤلاء «المجاهدين»، كان المكسب طرد المحتل الفرنسي من بلد نسميه اليوم بلد المليون شهيد.

أيضاً، من الأسماء الجهادية التي لا تخفى إلا على ضيقي الأفق، الشهيد المجاهد عز الدين القسام، الذي بث وفرقته الرعب في قلوب الإنكليز واليهود في فلسطين، والفرنسيين في سوريا، عبر العمليات الفدائية المنظمة، وما زال إلى يومنا هذا رمزاً للفداء والتضحية، وغيرها الكثير من الأسماء والنماذج التي لا يسعنا هنا إلا أن نشير إليها، ولا نفصل في تاريخها، ومنها الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، والحركة المهدية في السودان.
أما جماعات اليوم، مثل «داعش» والميليشيات الإيرانية، فالجهاد منها بريء.

***
معلومة قرأتها عن السبب وراء كبر حجم عمامة سلاطين الدولة العثمانية، تقول إن عمامة السلطان ليست مجرَّد غطاء أو تاج للرأس، إنما هي كفنه يوم موته.. ففي زمن خلافتهم، لا يكون المرء سلطاناً، إلا إذا كان «مجاهداً»، وكفنه على رأسه، وهي الخلافة التي حافظت على راية ديننا لقرون.. بفضل «الجهاد».

***
أما في ما يخص الإساءة لتاريخ «غيفارا وكاسترو»، فليت «المعتذر» قرأ مقالي، قبل أن يكتب اعتذاره، فكل مَن قرأ المقال وسألته، فهِم أن المقصود هم بعض اليساريين في مواقع التواصل الاجتماعي من المفتونين بسيجار ولقب «غيفارا».. أما في تاريخه ونضاله، فـ «العلوم زيرو».
ولنفرض أني أسأت وتعديت على ذات العم «غيفارا»، فهل يستحق المقال الاستنكار، في الوقت الذي نُشرت فيه العديد من الآراء والمقالات المطالبة بالإفراج عمَّن تعدى على ذات الأمير (وهي مادة دستورية)؟!

***
«الذليل الذي ينسى عزة أبيه، يألف الذل».. ومَن نسي مجد دينه وتاريخه، فسيألف معتقدات وأفكار ماتت.. ولن تعود.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

عبدالعزيز الجناحي

صحفي وكاتب حاصل على بكالريوس هندسة كهربائية من جامعة الكويت

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *