د. حسن عبدالله جوهر

«كامب ديفيد» و«خُفي حُنين»!

خلاصة «كامب ديفيد» أن الأميركيين قالوا للخليجيين نحن ماضون في سياستنا الجديدة في منطقتكم، وليس لكم سوى خيار واحد، وهو شراء المزيد من السلاح، حتى هذا السلاح لا يمكنكم استخدامه إلا عندما نقرر نحن على مستوى الزمان والمكان!

إذا كان ما أعلن في المؤتمر الصحافي للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد لقاء “كامب ديفيد” الذي جمعه بقادة مجلس التعاون الخليجي يمثل خيبة أمل وصدمة لدول الخليج، فكيف تكون الحال لما يفترض أن قيل في الغرف المغلقة؟!
المؤتمرات الصحافية عادة يغلب عليها طابع المجاملة والدبلوماسية، لكن تصريحات الرئيس أوباما، رغم ذلك، كانت واضحة في الاتجاه الذي لا يعجب الخليجيين، وهذا لم يكن مفاجئاً لمن يتابع السياسة الأميركية الراهنة في المنطقة وردود فعل واشنطن تجاهها، فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل أعباء قيادة العالم والاستمرار بدور راعي البقر “الكاوبوي”، خصوصاً بعد تراجع الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج تحديداً.
في قراءة سريعة لنتائج قمة “كامب ديفيد” يمكن تحديد الملامح الرئيسة للرؤية الأميركية عبر النقاط التالية:
أولاً، العمل على إغلاق الملف النووي الإيراني بعد ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي في مقابل دور إقليمي أكثر توازناً أو حتى أبعد من ذلك عبر تفاهمات لحلحلة بعض الملفات المفتوحة في المنطقة.
وثانياً، اعتبار دول الخليج أنها ما زالت تحت المظلة الأميركية، وأنها لا تستطيع أن تحمي نفسها بنفسها إلا بشرط واحد، وهو الاستمرار في شراء الأسلحة من الولايات المتحدة بالكميات التي تحددها الاستخبارات الأميركية والبيت الأبيض والبنتاغون، وللعلم فقد بلغت المصروفات الخليجية على التسلح منذ الغزو العراقي للكويت ما يفوق 2 تريليون دولار، وقد يتضاعف هذا الرقم خلال العقد القادم، ومع ذلك تقول واشنطن لدول الخليج إننا من ندافع عنكم!
ثالثاً، لم تخف الإدارة الأميركية امتعاضها من “عاصفة الحزم” على اليمن بدليل عدم ذكر اسم العاصفة في البيان الختامي، مع عبارات متشددة على بدء العملية السلمية فوراً في اليمن وبرعاية الأمم المتحدة لا مجلس التعاون، وفي الإطار نفسه حذر أوباما من جبهة النصرة وذكرها بالاسم رغم علمه بموقف بعض دول الخليج الداعم بقوة لهذه الجماعة المسلحة في سورية.
خلاصة “كامب ديفيد” أن الأميركيين قالوا للخليجيين نحن ماضون في سياستنا الجديدة في منطقتكم، وليس لكم سوى خيار واحد، وهو شراء المزيد من السلاح، حتى هذا السلاح لا يمكنكم استخدامه إلا عندما نقرر نحن على مستوى الزمان والمكان!
إن مشكلة دول الخليج تكمن في عقدة العم سام، وهذا واضح ليس فقط على المستوى الرسمي، بل حتى على صعيد الجوقة الإعلامية ومجموعة الفطاحل الجدد ممن أطلقوا على أنفسهم فجأة المحللين السياسيين ومديري المراكز الاستراتيجية، وغزوا الفضائيات مؤخراً بتحليلات تحريضية وتصعيد غير مبرر، ومحاولة إخبار العالم بأن الولايات المتحدة أصبحت في جيبنا، وفي مفارقة غريبة ننتقد السياسة الأميركية ونتهمها بأنها طعنتنا من الخلف وفي الوقت نفسه نستمر في الاستجداء من الأميركيين في كل شيء!
إن خروج الخليجيين من قمة “كامب ديفيد” بخُفي حُنين يتطلب إعادة ترتيب منطقة الخليج برؤية أكثر واقعية وتفكير استراتيجي، بالخروج من العباءة الأميركية ولو بالتدريج، ودراسة مفاهيم ونماذج لأمن المنطقة قائمة على مبادئ التعايش المشترك والبناء التنموي الداخلي والتكامل الإقليمي، بدلاً من اللهث خلف السراب الأميركي إلى ما لا نهاية!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. حسن عبدالله جوهر

أستاذ بالعلوم السياسية بجامعة الكويت حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية عضو أسبق في مجلس الأمة
twitter: @HasanJohar
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *