إبراهيم المليفي

كلام معارض

ما أجمل التجول في المعارض، خصوصا إذا كان الجيب “مليان”، في المعارض تتجلى أسمى معاني الإنسانية، فكل زبون بغض النظر عن شكله ولونه وجنسيته ودينه يحظى بمعاملة ملكية من لحظة دخوله المعرض حتى يقول عبارة التملص الشهيرة “أشوف وأرد عليكم”، أما إذا بدا أن الزبون ينوي الشراء وبشراهة فلا عجب أن ينزل مدير المعرض من عليائه ويساير الزبون “الدفيع” حتى يلبي كل مطالبه.
كلام المعارض دوما جميل، نسمع فيه كل الخصال الحميدة في البضاعة أيا كانت، سريراً، أو تلفزيوناً، أو سيارة، أو غسالة… إلخ، والباعة غالبا ما نجدهم متأنقين في كلامهم ومظهرهم، ويتمتعون بخاصة الإعادة إلى ما لا نهاية حتى يملّ الزيون لا هم.
بعد الدفع تبدأ الأحوال بالتبدل، كلام المعارض ينتقل إلى كلام “السواقين” ووعودهم التي لا تنتهي بخصوص مواعيد التسليم التي غالبا ما تكون في غير موعدها، والزبون موجود في مقر عمله، فالأحوال تميل إلى التبدل أكثر عندما نعاين من يسمون في كلام المعارض “فنيين”، وعلى أعلى درجة من الكفاءة، وهم في الواقع مجموعة من الناس “الغلابة” يقودهم شخص واحد، وتعاني البضائع في عهدتهم مخاطر السقوط والخدش وقلّة التدبير في الحركة.
ولنتخيل أن ما تم تسليمه يعاني عيباً في الصناعة، أو تعرض لخلل يقع ضمن دائرة الكفالة، ستتغير مفردات الترحيب إلى التحقيق، ومن السخاء إلى التقليص في المميزات، ساعتها سنكتشف أن كلام المعارض مجرد فخ للإيقاع بالزبائن، وأن بعض من ينصبون الأفخاخ لا يكترثون لسمعتهم بقدر ما يكترثون لتحقيق الأرباح بأي شكل.
كلام المعارض في الحياة له شبيه اسمه الخطابات الرسمية، تسمع فيه عن دولة دستور وقانون، وعند المعاينة تجد تضامنيات عائلية تتخفى بثياب دولة عصرية، وتسمع فيه عن حريات مكفولة لجميع الناس وعند المعاينة تجد العشرات من أصحاب الرأي خلف القضبان، وأخيراً نسمع في المعارض كلاماً عن دولة المواطنة والعدالة، وبعد البحث والتحري نجد أن المواطنة عرضة للتبخر بـــ”شخطة قلم”، والوجود قابل للترحيل باتصال هاتفي.
في الختام نريد كلام المعارض أن يصبح هو الكلام الطبيعي خارج المعارض، هل ممكن ذلك؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *