إبراهيم المليفي

داعش… بداية النهاية

ليلة حزينة شديدة السواد غطت أرجاء الأردن وكل بقعة ينبض فيها عرق من الإنسانية، تلك الليلة التي أُعلن فيها استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة، رحمه الله، على يد تنظيم “داعش” الإرهابي.

ذلك الحزن ليس مصدره الموت لأن خبر الشهادة يزفّ بالتغاريد والأفراح لما له من فخر في الدنيا ومنزلة رفيعة في الآخرة، ولكن ويا للفجيعة من الطريقة التمثيلية التي قتل فيها الكساسبة حرقاً داخل قفص، وما تبع ذلك من تفاصيل لا يريد أي إنسان طبيعي سماعها، لقد أدركت القيادة الأردنية مدى خبث “داعش”؛ لذلك اشترطت عليهم الحصول على دليل مادي يثبت أن الطيار الأردني على قيد الحياة وبصحة جيدة قبل إتمام عملية المبادلة مع الإرهابية العراقية، الأمر الذي فرض على “داعش” المماطلة أول الأمر، ثم الكشف عن جريمتها مساء الثلاثاء الماضي.

إن التوسع في فتح الجبهات لا يجني غير زيادة الخصوم، والتوغل في المناطق المحرمة جهاراً نهاراً يقلب مواقف المتعاطفين مع التطرف في الكره وتأييد كل ما من شأنه القضاء على منتهكي المحرمات، لقد غاص “داعش” في رمال العراق وسورية، وذهب بعيداً إلى الجزائر ثم برز في الأردن ولبنان، وأخيراً رفع أعلامه في أكثر من بلد عربي، وبعيداً عن مفعول الحرب الجوية الضئيل على أرض المعركة، أؤكد أن ما حصل مع الشهيد الكساسبة رسم مرحلة جديدة تفصل بين زمنين، زمن ما قبل مقتل الطيار الأردني وزمن بدأ بعد مقتله، دون أن نتجاهل التقدم النوعي في معركة تحرير مدينة كوباني.

ذلك القول مصدره نابع من خسارة “داعش” للقواعد الشعبية المؤيدة له بعد خسارة معركة الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، وهذه الحالة من الغليان التي بلغت ذروتها خلال اليومين الماضين ستشكل ضغوطاً على أصحاب القرار في عدة اتجاهات، فالمتردد سيشارك، والمشارك سيضاعف مساهمته، والمتحفظ سيدعم جميع القوى المضادة لـ”داعش” وأولهم الأكراد، لقطع جميع طرق التمويل بالمال والسلاح والعتاد، كل ذلك وأكثر سيعجل من نهاية تنظيم “داعش” بصورة أسرع مما نتوقع.

في الختام وفي خضم هذه الحالة من الحزن والغضب لا بد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال؟ وماذا بعد “داعش”؟ لقد قيل يوماً إن التنظيمات الإرهابية التي سبقت القاعدة “موضة قديمة”، وعندما برز “داعش” وارتفعت أسهمه ونصّب لنا خليفة، صار تنظيم القاعدة هو الموضة القديمة، فهل بعد كل هذا سنعود إلى سيرتنا الأولى أم نفعلها للمرة الأولى ونحاول معالجة منابع التطرف الكامنة تحت أقدامنا قبل أن تبتكر لنا “موضات جديدة” ربيعاً وخريفاً وصيفاً وشتاء؟!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *