سعيد محمد سعيد

مناهضة «الكراهية والطائفية»

 

من البديهي، ألا ينتظر المجتمع البحريني طويلاً حتى يرى ثمار لجنة مناهضة الكراهية والطائفية التي يترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء جواد سالم العريض، وتضم في عضويتها وزراء الداخلية والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والعدل والشئون الإسلامية والأوقاف.

وجاء في المادة الثانية من القرار رقم (17) لسنة 2014 أن اللجنة «تختص باقتراح وتبني السياسات والمنهجيات وإعداد البرامج الفعالة التي تتصدى لمشكلة خطابات الكراهية التي تبث عبر المنابر والكتب أو من خلال وسائل الإعلام والاتصال والتعليم، أو من خلال القوى السياسية والمجتمعية، والعمل على تكريس روح التسامح والتصالح والتعايش، وتعزيز عوامل الوحدة في المجتمع البحريني».

دعونا نتحدّث بصراحة مباشرة، سواءً وضعت اللجنة نصب أعينها خطة عمل واضحة المعالم أم لم تفعل، فإن إطالة أمد الصمت على الأفعال والممارسات الطائفية، مهما كان انتماء فاعلها المذهبي، لا يجب أن تطول. وقد رأينا كيف أن الحادث الأليم الذي راح ضحيته مجموعة من الزوار البحرينيين في العبدلي، كشف وجوهاً قبيحة في وسائل التواصل استبشرت وفرحت وتبادلت التهاني بموت مجموعة من المواطنين الذين وصفتهم بـ «المجوس». وهناك منتديات الكترونية تنفخ في هذه النار، لا تزال تعمل بكل حرية لنشر الدمار والبغضاء والكراهية.

ومهما يكن من أمر، فقد تسبّب الخطاب المؤجج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين، في إثارة حالةٍ من الصراع اليومي، بدأ يزداد مع ظهور نموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عيّنة من المسئولين أو الشخصيات، على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما غيرهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض الحكم والعبث بمقدرات الدولة والشعب.

ولعل في خطابات نماذج من أولئك الطائفيين الشهيرين (بعضهم الآن قيد اتخاذ إجراءات التقاضي ضدهم)، لعل في خطاباتهم ما يمكن اعتباره «دينامو» لتشغيل آلة الصراع الاجتماعي الطائفي بعيداً عن أصول رأب الصدع والالتزام بالأدوار الدينية والاجتماعية والوطنية في معالجة قضية حساسة أو اختلاف في وجهات النظر، سواء كان ذلك الاختلاف على المسار الديني أو السياسي!

إن اتباع أسلوب الخطب التأجيجية في صلاة الجمعة وإصدار التصريحات الصحافية النارية هو منهج خاطئ دون شك، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على من اشتهر بهذه الصنعة من النواب والخطباء والناشطين السياسيين وأياً كان من يكون الفاعل.

الحل يكمن في ألا تسمح الحكومة بنجاح بأية محاولة لزيادة أعداد المنضمين إلى التصنيفين الجديدين: المواطن واللا مواطن، فالدستور يقول أن المواطنين سواسية، وما عدا ذلك من ممارسات تخالف العرف الاجتماعي وتتعدى القوانين، فإن للدولة الحق في تقديم كلّ من تجاوز حدوده للمساءلة القانونية. ولوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الممثلة في «لجنة مناهضة الكراهية والطائفية»، الحق في محاسبة الخطباء والأئمة إن ثبت عليهم الخطأ، وللسلطة التشريعية الحق في ملاحقة من يثبت عليهم الفساد والإضرار بالبلد. أما إن تركت كل القضايا للخطاب الديني اللامسئول أو للتصريحات الصحافية ذات الأبعاد البطولية الفارغة، فالخطر المفتت للمجتمع لن تُحمد عواقبه.

الإعلام الطائفي والخطاب الطائفي والنفس الطائفي وكل فعل طائفي، لا يمكن اعتبارها أشكالاً من أشكال المواطنة الصالحة. هي بالتأكيد فرصةٌ للمتاجرة الهدّامة على حساب الآخرين، يربح فيها البعض ممن لا تهمهم أصلاً سلامة الوطن.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *