د.فيصل المناور

تأملات في واقع الخلل بالتركيبة السكانية

إن الخلل في التركيبة السكانية لا يقتصر على جانب واحد بعينه، بل يشتمل على جوانب متعددة تتعلق بنمو السكان وتوزعهم وخصائصهم، ويشكل تهديداً لجهود التنمية. كما يفضي إلى تعثرها على المدى البعيد. لذا هناك مجموعة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الخلل في التركيبة السكانية، التي قد يكون لها دور مباشر أو غير مباشر في تهديد حالة التماسك والاستقرار الاجتماعي للبلاد، ومن تلك الآثار المرتبطة بارتفاع معدلات الزيادة السكانية زيادة أعباء الإعالة وارتفاع نفقات الخدمات الأساسية على الصحة والتعليم وغيرها، وتأتي إشكالية استنزاف الاقتصاد المحلي من خلال زيادة تحويلات العمالة الوافدة، حيث تشكل هاجساً وعبئاً اقتصادياً كبيراً على القائمين على وضع ورسم الخطط الاقتصادية والمالية في البلاد.
إن المشكلة الاقتصادية لا تكمن فقط في ضخامة حجم التحويلات السنوية للعمالة الوافدة التي بلغت نحو 3 مليار دينار كويتي في عام 2013، ولكنها تكمن أيضاً في ظاهرة الارتفاع الملحوظ في حجم التحويلات السنوية عاماً بعد عام وينذر استمرار تنامي ظاهرة ارتفاع حجم تحويلات العمالة الوافدة بآثار وبمخاطر اقتصادية عديدة، ستعود سلباً على اقتصاد الدولة، ولعل من أبرزها تسرب المخزون من العملات الأجنبية الصعبة وهروبه وهجرته إلى خارج البلاد، واتجاهه إلى البلدان المحول إليها؛ الأمر الذي سيؤثر عاجلاً أم آجلاً بالسلب على موازين مدفوعات الدولة تأثيراً ملموساً، ولا سيما أن مثل هذا التسرب والهروب للعملات الصعبة يمثل نزيفاً مستمراً لمدخرات الدولة من العملة الأجنبية، وتخفيض حجم الفائض في الحساب الجاري.
كما أن زيادة حجم بعض الجاليات على أرض الدولة قد يشكل ثقلاً سياسياً واجتماعياً، وهذا الوجود المكثف قد يتحول في حالات معينة إلى وسيلة ضغط على الدولة المستضيفة، وقد يكون هناك تخوف دائم من انعكاس التوترات السياسية التي تحدث بين الدول الأم للعمالة الوافدة على الاستقرار الداخلي للدولة المستضيفة للعمالة؛ حيث إن وجود جاليات وافدة بينها صراعات طائفية أو سياسية أو عرقية قد يخلق وضعاً أمنياً داخلياً غير مستقر.
بالإضافة إلى ما سبق، تتمثل أبرز سلبيات خلل التركيبة السكانية فيما يطلق عليه ظاهرة «الاتكالية بين المواطنين»، التي تعود إلى وجود العمالة الوافدة بأعداد كبيرة مما يشجع المواطنين على العزوف عن العمل اليدوي مثلاً، ومن خلال تحليل التركيبة السكانية للمكون الكويتي من السكان، نجد أن حوالي 37.2% من السكان الكويتيين يقعون في الفئة العمرية «أقل من 15 سنة» في عام 2011، ويمثل هذا الحجم عبئاً اقتصادياً على الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى أن اتساع هذه الشريحة العمرية بين السكان الكويتيين تعكس ارتفاعاً في معدلات الإعالة، وانخفاض المساهمة في قوة العمل، ونتيجة للمشروعات التنموية الطموحة التي تتبناها الدولة والتي لا غنى عنها في تحقيق الأهداف التنموية للمجتمع الكويتي، أضحى الاعتماد على العمالة الوافدة من المظاهر الطبيعية لتلبية احتياجات سوق العمل الكويتي نتيجة عدم توافرها بشكل كامل بين العمالة الوطنية، وكإحدى النتائج السلبية للاعتماد المفرط على العمالة الوافدة يبرز عدد من المظاهر، أهمها عزوف العمالة الوطنية عن القيام ببعض الأعمال ذات النظرة الاجتماعية المتدنية. كل ذلك أدى إلى بزوغ ظاهرة البطالة بين قوة العمل الوطنية على الرغم من توافر فرص عمل للعمالة الوافدة نتيجة قبول الأخيرة بمستوى متدن من الدخل لا تقبل به الأولى.
ومن الآثار السلبية للخلل في التركيبة السكانية الإضرار بالهوية الوطنية؛ حيث إن الانفتاح العشوائي غير المنضبط، من شأنه أن يضر بهوية المجتمع ويهشم البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات الصغيرة نسبياً كالمجتمع الكويتي، ويعزى ذلك إلى جملة من الأسباب، مثل منها ضعف أداء المؤسسات الوطنية، وترهل أنظمتها، والاهتمام باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية، والانبهار بالثقافات الأجنبية، وضعف الانتماء الوطني، والقصور في فعالية المؤسسات التعليمية، وتأخر أداء وسائل الإعلام، وبروز قيم اجتماعية دخيلة على المجتمع.
ويمكن القول إن الحالة التي عليها التركيبة السكانية في دولة الكويت تنذر بالخطر، وذلك من منظور أمني واجتماعي واقتصادي نتيجة كون المواطنين أقلية في مجتمعهم؛ مما يؤدي إلى تهديد حالة التماسك والاستقرار الاجتماعي بسبب الشتات المتعدد للسكان والتفاوت الاجتماعي من حيث القيم والعادات والتقاليد بين فئات المجتمع الكويتي من الكويتيين من جهة والعمالة الوافدة من جهة أخرى. لذا، فإنه من الأهمية تدعيم السياسات التي تعزز من التماسك بين الكويتيين الذين يتشكلون من فئات اجتماعية وطوائف متعددة، بالإضافة إلى مد جسور التماسك بين الوافدين متعددي الخلفيات العرقية والثقافية من جهة أخرى، بما يخدم التطلعات العليا لدولة الكويت، ومن ثم فإن هذا الوضع يتطلب نظرة فائقة الدقة بالتعاطي والتعامل معه بما يؤدي إلى إحداث تماسك واستقرار اجتماعي ذي حد أدنى على أقل تقدير يساعد على تقليص الجوانب السلبية بقدر الإمكان.
يتضح مما سبق، أن هناك علاقة واضحة بين حالة التماسك والاستقرار الاجتماعي والوضع السكاني في دولة الكويت؛ إذ إن لهما علاقة مباشرة ومؤثرة أحدهما في الآخر؛ فإذا كانت الحكومة تسعى لتحقيق نوع من التماسك الاجتماعي فإن عليها العمل على تعزيز الاندماج الاجتماعي وتوحيد صف المواطنين الذين يشكلون فئات اجتماعية متعددة تحت راية ما يعرف بالمواطنة والعدالة الاجتماعية بينهم؛ مما يضفي مناخاً إيجابياً يدفع إلى تحقيق التطلعات الوطنية. ومن جانب آخر، محاولة تقليل التباين والاختلاف الاجتماعي ضمن فئات المجتمع الوافد نتيجة تنوع الأعراق والثقافات؛ بما يؤدي إلى خلق مناخ اجتماعي آمن في الكويت.
ولكن كما يقال:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د.فيصل المناور

دكتوراه السياسات العامة – ماجستير إدارة الأزمات – بكالريوس العلوم السياسية والإدارة العامة
twitter: @FaisalAlMonawer

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *