سعيد محمد سعيد

قصة المواطن «إبليس»!

 

المواطن «إبليس»، هو واحد من أشد نماذج البشر خطورة على الحكومات والمجتمعات والأوطان والأمم. وأشد ما في خطورته، هو أنه يريد أن «يعيش» حاله حال البشر، متمتعاً بكل حقوقه المشروعة في الحياة الكريمة كما جاءت بها الرسالات السماوية والتي أقرتها الدساتير الوضعية على حد سواء!

ويبدو أن موضة المواطن «إبليس» أصبحت منتشرة، ليس في دول العالم العربي والإسلامي فحسب، بل حتى في دول الخليج العربي التي يوصف المواطن فيها بأنه من أعلى مراتب ومناصب بني البشر رفاهية! لكن الويل ثم الويل له إن شكا أو بكى أو اعترض أو انتقد أو جاهر برفض وضعٍ ما… هنا، سيخرج ملكيون أكثر من الملوك، وسلاطنة أكبر من السلاطين، ورؤساء أكبر حجماً من الرئيس ومعهم جوقة موسيقية طويلة عريضة تحمل مختلف أنواع الطبول والطنابير لتصف ذلك المواطن بأنه «إبليس» فعلي يريد الفتنة وشق عصا الجماعة، وأنه لا يشكر نعم الله عليه وهو يعيش في أحسن وأفضل حال.

هل من الممكن أن نعتبر «المواطن» الذي يعيش حياةً مستقرةً ومرفهة ولا ينقصه شيء، أو المواطن الذي يعيش ظروفاً قاسيةً (أباليس) حين ينتقدون أداء جهاز حكومي أو مسئول حكومي؟ من الواضح جداً أن كتم الأنفاس وقمع الآراء والحجر على أفكار الناس وتطلعاتهم وطموحاتهم لم يعد مجدياً، وموجة الإعلام الإلكتروني المذهلة، ولابد للحكومات أن تعيد النظر في سياساتها تجاه التعامل مع إعلامها الرسمي بحيث يكون متنفساً حقيقياً وفاعلاً للمواطنين بكل مستوياتهم ومذاهبهم وتياراتهم. فاستخدام الجيش الإلكتروني وبضعة أسماء لكتاب وصحافيين وإعلاميين لمهاجمة وتسفيه أفكار وآراء المواطن الذي لا تتفق معهم ليست فكرة جيدة إطلاقاً.

والغريب، أن بعض المسئولين في قطاعات مختلفة، يتضايقون من النقد ومن الآراء التي يطرحها المواطن أو يطرحها ذوو الموضوعية في الصحافة ممن يركزون على قضايا المواطن، مع أنهم يعلمون ويقرأون ويدركون أن هناك توجيهات عليا سامية، تفتح المجال للتواصل مع المواطنين جميعاً، ومع الصحافة الصادقة والإعلام الوطني المخلص، إلا أنه على العكس، يميل أولئك إلى صحافة النفاق وإعلام التطبيل وشعار: «كل شيء تمام طال عمرك ولا ناقصنا الناس شي»!

خذ مثلاً ما يجري في بعض دول الخليج من نقلات تصبّ في مسار تحسين معيشة المواطن، فما نحبه ونرضاه هو أن نعيش كما يعيش بعض الأشقاء في دول مجلس التعاون. هناك تنقل الصحف ووسائل الإعلام، وكذلك المواقع الإلكترونية، قرارات الزيادات بستين وسبعين وثمانين وتسعين ومئة في المئة، فتفوح من رؤوسنا «دخاخين» لا مثيل لها، لا في زيادة الخمسة عشر في المئة، ولا في غيرها التي لم تصل إلى مستوى الطموح وهي قليلة عموماً.

من سوء الحظ أن التحولات المشابهة حولنا في منطقة الخليج متسارعة بصورة أكبر، وإذا ما تجاوزنا جانب اختلاف الإمكانيات والموارد المالية وما إلى ذلك، فإننا لا نستطيع تجاوز موجة الغلاء التي تطحن أولنا وآخرنا في دوران لا يتوقف! وإذا كنا لا ننظر إلى موضوع زيادة الأجور على أنه مطلبٌ لمواجهة غول الغلاء وارتفاع الأسعار وصعوبة تحقيق الحلم في الحصول على مسكن مناسب، فما الذي سينظر إليه المواطن؟

هناك تقصير كبير، لأنه لا يوجد توافق على ما يبدو للتعامل مع مسألة تحسين الأجور على أنها مسألة مرتبطة بالحياة اليومية ولقمة العيش وليست مرتبطة بالرفاهية. وإذا كانت الصحف تمتلئ بالمقالات والأعمدة والكتابات من الصحافيين والقراء أيضاً، فإن ذلك لا يمكن أن يعطي انطباعاً حول صعوبة الوضع، بل صعوبته وحقيقة شدته تظهر من خلال تغطية التزامات آخر الشهر المالية، والتي تجعل رب الأسرة بعد أن ينهي «الحسبة» معرضاً لأشد أنواع الهجمات المرضية فتكاً.

على كل حال، فإن المواطن المتهم «إبليس» في الحقيقة، أصدق حباً وعملاً وعطاءً وبذلاً لوطنه وشعبه من مسئولين ونواب وإعلاميين (ملائكة) يمارسون النفاق والدجل واستحصال المصالح الشخصية ولا يهمهم الوطن إلا بالشعارات الكاذبة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *