فؤاد الهاشم

عشقنا «التواكل» وتركنا.. «التوكل»!

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، كنا في حفل عشاء أقامه لنا أحد السفراء العرب في الكويت جمع عددا كبيرا من السفراء الأجانب، من بينهم سفير فيتنام الذي روى لنا هذه الحكاية العجيبة التي حدثت في بلده..
لنترك السفير يتحدث ويقول: «خرجنا من حرب مدمرة مع الأميركيين الذي طحنوا الأرض والبشر والشجر والحجر، وما إن انتصرنا وطردناهم حتى التفتنا إلى كل متر في أرضنا لنزرعها ذرة وقمحا ورزا إذ لا نفط لدينا ولا غاز ولا معادن، لقد كان علينا أن نستصلح كل متر في أرضنا ملئت بالألغام وغسلت بالأسلحة الكيماوية ومنها المطر البرتقالي الذي كانت الطائرات الأميركية ترشه على البشر والمواشي والغابات. المهم نجحنا في ذلك وابتدأت سنابل القمح وسيقان الأرز وعيدان الذرة تزين حقولنا ولكن»..! ثم سكت قليلا وابتسم وأكمل: «واجهتنا مشكلة أخرى وهي.. الفئران!»
ظهرت ملايين الفئران التي كان يتضاعف عددها كل شهرين؛ لتلتهم محصولا كنا نعده لإطعام شعبنا الجائع والمنهك من سنوات الحرب مع الأميركيين، جربنا معهم كل أنواع الأفخاخ والمصائد دون فائدة! استوردنا من اليابان وتايلند وسنغافورة كل ما لديهم من أفكار ومخترعات لإفنائها دون نتيجة، لكن مجموعة من عجائز الفلاحين اقترحت علينا أن نأتي بعشرات من أنواع محددة من الأفاعي ونلقيها من المروحيات على مساحات شاسعة وسط هذه الحقول الزراعية وسوف تكون النتيجة.. مذهلة!
بالفعل، وكما توقع هؤلاء العجائز، خلال أقل من شهر تناقصت أعداد الفئران وارتفعت معدلات إنتاج الفدان الواحد من حقل الأرز أو الذرة أو القمح بعد أن صارت الأفاعي تفطر على آلاف الفئران صباحا وتتغدى بآلاف منها ظهرا وتتعشى بآلاف منها ليلا!
يتوقف السفير الفيتنامي عن الحديث للحظات، ثم يكمل حكايته المشوقة التي صرنا كلنا آذان صاغية لنعرف خاتمتها وهو يضحك قائلا: «اعتقدنا أن المشكلة قد حلت وأن الفئران لم تعد تأكل قوت شعبنا، لكن واجهتنا مشكلة تكاثر الأفاعي بشكل مخيف حتى لم يعد الفلاح قادرا على الدخول إلى أرضه لسقيها أو حصدها، ناهيك عن تعرض الآلاف من النساء والأطفال إلى لدغاتها السامة والتي أدت إلى موت العشرات من المواطنين»!
سكت السفير وكأنه ينتظر منا أن نقول له: «وبعدين؟ ماذا فعلتم»؟ وبالفعل، معظمنا سأله بشغف فقال: عجائز الفلاحين نصحونا باستيراد الآلاف من حيوان صغير اسمه النمس يعتبر العدو الأول للأفاعي، وبعد أن ينتهي منها يصبح صديقا للفلاحين وحارسا أمينا على حقولهم»!
انتهت حكاية سفير فيتنام العجيبة! الولايات المتحدة الأميركية وإيران وتركيا اقتنعوا أن «فئران تنظيم القاعدة» في سوريا والعراق قد عاثوا بالأرض فسادا، فقرروا أن يلقوا عليهم بعشرات الآلاف من « أفاعي داعش»..
الأفاعي أكلت الفئران، لكنها تكاثرت هي الأخرى وعبرت الصحاري والبراري والبحار ووصلت إلى أوروبا، ثم سبحت وعامت وطفحت فوق الأطلسي حتى وصلت إلى شوارع عدد من الولايات الأميركية وصارت تزحف على الحجر وتلدغ.. البشر!
الآن قررت واشنطن أن تأتي بحيوان جديد هو «النمس» الذي تعتقد بأنه قادر على إكمال المهمة والذي سيكون اسمه «تنظيم خراسان» والعياذ بالله والذي يقال إن الناس في الشرق الأوسط ستترحم على أيام « فئران القاعدة» وأفاعي.. داعش!
ماذا نحن فاعلون؟! لا شيء على الإطلاق، فقد اعتدنا على «التواكل» وتركنا ..«التوكل»! فليرحمنا الباري عز وجل برحمته..
***
آخر العمود:
إن كنت تريد الجنة، فالزم الصلاة، وإن كنت تريد الحكمة فالزم.. الصمت!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *