أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

النخب أساس التخبط وتفتيت دولنا

الجذور الفكرية والإسلامية والعربية والثقافية لمجتمعاتنا ودولنا تؤكد رسوخ ومتانة مبادئنا وارتفاع وسمو قيمنا، وأصالة وتميز فكرنا وثقافتنا، وفي ورافها جميعا نجد فضائل الصدق وشجاعة المصارحة ونزاهة الخلق والأمانة والانحياز للحق والحقيقة، وفروسية المنافسة بشرف، والحرص على العدالة والمساواة والتعايش والتسامح، والتضامن والتكافل والحرص على مصلحة المجموع.
لكن هذه الفضائل تعرضت للتشويه ونالها التدمير وتعرضت لهزات أفقدتها قيمتها، وهو وضع مخز ومحزن في آن واحد. لكن السؤال يا ترى هو: من المسؤول عن كل ذلك؟ إنها النخب السياسية والثقافية والاجتماعية.
فهذه النخب بكل انتماءاتها الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية، إلا ما ندر، خاوية من مشروع للإصلاح الوطني، تتغنى بالمبادئ وتتآمر عليها أو تناقضها، لا تؤمن بالعمل المؤسسي ولا تجتهد لإرسائه رغم رفعها لشعاراته، مغرقة في النزعة المصلحية الفردية، أطروحاتها مكررة ومحدودة بعيدة عن قراءة المستقبل، متنكرة لمبادئها أو لتجمعها بمجرد حيازتها للسلطة، مشهودة في إخفاقاتها حين صيرورتها جزءا من السلطة التنفيذية، وفاشلة في أدائها عند بلوغها العضوية البرلمانية، ولا تتحلى بفضيلة الاختلاف رغم مناداتها به، بل منهجها إقصائي وتحريضي مع مخالفيها، أدبياتها وكتاباتها مغرقة في الفئوية أو الحزبية، سلوكها استئثاري وتنفيعي، حينما تملك القرار، تهوى أجواء الصراع من دون وجود قضية، وتستمتع بضرب بعضها بعضا فتهدم وطنها ظنا أن كلا منها يهدم الآخر، تحالفاتها السياسية لحظية هشة بعيدا عن الرؤية أو القيم.
مهادنتها للسلطة أو معارضتها غير رشيدة، فلا هي مرتكزة على برنامج سياسي أو اجتماعي أو إصلاحي محدد، ولا مبنية على نقد لمنهجية العمل الحكومي وترشيده بالبديل، مطالباتها سطحية وعرضية تتحكم فيها أمزجة الناخبين والتفكير بصناديق الاقتراع، فتتسابق لمشروعات تدغدغ مشاعر العامة وتسترضي رجل الشارع بتشريعات مرتجلة آنية متآكلة ذاتيا وأطروحات سياسية ابتزازية جوفاء تخدم مصالح ذاتية وليست وطنية، وكلاهما لا يحقق إصلاحا ولا يصنع دولة. وأيا ما كان اللون أو الطيف الفكري أو السياسي للنخبة أو تجمعها، فإنها هلامية الكيان والقدرة والمؤهلات، ولذا نسمع لها جميعها جعجعة ولا نرى طحينا، وهنا يكمن أساس التخبط وتفتيت الدولة، في موازاة حكومة أسوأ حالا، لأن نخبتها آسنة، وكلاهما لا ينبثق من متطلبات الدستور، ويتنكر بجوهره بممارسته الواقعية.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *