د.علي يوسف السند

حتى لا نُفجع مرتين!

التفجير الآثم في مسجد الإمام الصادق يُعد فاجعة بكل المقاييس، وعلى كل المستويات، وفي كل الأصعدة، فهو فاجعة إنسانية وسياسية، وفاجعة مجتمع ودولة، لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة هذا الوطن، أو تظل على هامش تاريخه.
بعد هذه الفاجعة نقف جميعاً أمام مفترق حاد بين طريقين، فإما نسير في طريق استيعاب الحدث بمسؤولية كاملة، ونلملم جراحاتنا، ونحسن التصرف، حتى نتجنب الموجات الارتدادية، وإما أن نسير في الطريق الوعر، وننساق وراء الحدث بكل ما فيه من بشاعة، ونسمح لأنفسنا بالتمادي في ردود الأفعال غير المنضبطة، فنصبّ الزيت على النار، ونحوّل عُقدنا وخصوماتنا إلى وقود لنار لا تُبقي ولا تذر، فنظل ندفع ثمن هذه الحادثة لعقود طويلة، لا سمح الله!
وحتى لا نسير في الطريق الخطأ، فتتحول هذه الفاجعة إلى فاجعتين – وربما فواجع – علينا أن نحسن تصوير الحدث بشكل سليم، بلا تهوين ولا تهويل، ونقف على الأسباب الحقيقية، ونتمتع بالشفافية والمصداقية في عرض المعلومات وتداولها، بعيداً عن الانتقائية، ففي حال عدم عرض وتداول المعلومات بشكل سليم، فإننا سنكون قد ساهمنا في تزوير الواقع، مما يؤدي إلى تشوهات في الوعي العام، يصعب الشفاء منها.
في الوقت الذي بإمكاننا أن نقلل من التأثيرات السلبية لهذه الفاجعة، ففي أيدينا أيضاً أن نحولها إلى فاجعة تلد أخرى، فإذا صارت هذه الحادثة فرصة عند البعض لتسجيل النقاط على خصومه، وصارت منطلقاً لتبادل الاتهامات، وفرصة لعرض الأجندات الخاصة، والانتقام من الآخر، أو إظهار الشماتة فيه، فهنا ستتحول الفاجعة إلى فاجعة أخرى.

من المحزن أن يتلقف البعض هذه المصيبة، ويعتبرها فرصة نزلت عليه من السماء ليتكسب من ورائها، ويوظفها لمصالحه، وتصفية حساباته الخاصة، فهذا المسلك أقل ما يوصف به أنه مسلك دنيء، لأنه يجعل من جراحات الآخرين ميداناً للتكسب، ويُحوّل دماء الأبرياء إلى سلعة يتاجر بها في أسواق المزايدات!
في ظل هذه الأجواء المتوترة من الضروري أن يراجع الجميع كشف حساباته، وعلى رأسهم السلطة، التي بيدها أن تجعل هذا المجتمع متماسكاً وقوياً بترسيخ قواعد العدل والحرية وتكافؤ الفرص، واحترام كرامات الناس، وحل المشاكل الإنسانية العالقة، وعلى رأسها مشكلة «البدون»، فهكذا تُصنع الوطنية، ويتنامى الشعور بالانتماء والولاء الحقيقي، وليس بالأغاني الوطنية والشعارات الحالمة، والكلمات المثالية، التي تدغدغ المشاعر لفترة محدودة، فإذا ما انتهى مفعولها، فربما يصحو المجتمع على فاجعة أخرى!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د.علي يوسف السند

دكتوراه فلسفة إسلامية – بكالوريوس شريعة – عضو هيئة تدريس/الدراسات الإسلامية – إعلامي وكاتب صحفي
twitter: @al_snd

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *