باسل الجاسر

رحمة الاختلاف جعلوها نقمة

جاءتني هذه الرسالة من صديق عبر الواتساب، وجدت فيها تجسيدا رائعا للحكمة وتشخيصا ما أحوجنا اليه اليوم، بل ومنذ زمن بعيد لفهم أدب الاختلاف وحدوده ليكون رحمة بين المسلمين، لا نقمة لعذابهم وضياع الرحمة بينهم.

وانطوت الرسالة على حكاية اختلف فيها أحد الطلبة مع اﻹمام الشافعي المولود عام 150 هجرية، حول مسألة أثناء إلقائه درسا في المسجد، فقام الطالب غاضبا وترك الدرس وذهب إلى بيته، وعند المساء ذهب الإمام الشافعي لبيت الطالب الغاضب فقال له وكان اسمه يونس:

يا يونس تجمعنا مئات المسائل، وتفرقنا مسألة، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات، فأحيانا كسب القلوب أولى من كسب المواقف، ولا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يوما ما..

دائما اكره الخطأ، لكن لا تكره المخطئ.. أبغض بكل قلبك المعصية، لكن سامح وارحم العاصي.. انتقد القول، لكن احترم القائل.. فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض، لا على المرضى.

وليت إخواننا المختلفين من المسلمين يدركون أنهم جميعا متفقون على انه «لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد نبيه ورسوله».. ويتفقون على أن قرآن ربهم كتاب واحد وهو محل اتفاق، ويتفقون على أن قبلتهم واحدة وجميعهم يتجهون لها وقت الصلاة.. ويتفقون على الحج لبيت الله المبارك في مكة الكرمة.. ويتفقون على ان الله حرم دماءهم وأعراضهم وأموالهم على بعضهم البعض.. وبالرغم من هذه القواسم المشتركة في الأساسيات، إلا أن خلافات نشبت ولاتزال ناشبة بسبب اختلافات في فهم وتفسير بعض التفاصيل، والتي امتطاها بعض المأجورين والمتآمرين على الإسلام والمسلمين وإن ارتدوا عباءة الدين، فأعلنوا الجهاد على إخوانهم في الدين في كل حال، ليس لسبب سوى انهم اختلفوا معهم في تفسير وفهم بعض تفاصيل الدين.. وأهملوا كسب قلوب إخوانهم كما أمر ربنا العزيز الرحيم وما حثنا عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

فخرج علينا المكفرون في سورية والعراق ومصر واليمن وليبيا، يكفرون كل مخالفيهم بل ويقتلونهم ويستبيحون كل ما حرم الله من دم وعرض ومال.. وتركوا أعداء الإسلام والمسلمين ممن اغتصبوا أرض المسلمين في فلسطين الذين يجاورونهم في سورية وحصروا جهادهم لمجاهدة إخوانهم في الدين ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والمشكل الأكبر أن هناك من يتعاطف مع هؤلاء الخوارج الجدد من نصرة ودواعش وأجناد الشام وفجر ليبيا وغيرها من مسميات رفعت شعار الإسلام، وهم خنجر مسموم في ظهر الإسلام والمسلمين ويعملون لتحقيق أهداف الصهاينة وبني ماسون، فتجنبوا حرب أعداء الدين وجعلوا حروبهم وبأسهم على المسلمين والمستضعفين.. وبعد كل هذا ألا يجدر بالمسلمين وخصوصا علماءهم ودعاتهم اليوم استذكار حكم الإمام الشافعي وغيره من أئمة المسلمين، وقبلهم أوامر وتوجيهات رسولنا الكريم عليه أطيب الصلاة وأزكى التسليم التي تحث على التصالح ونشر المحبة والتواد بين المسلمين وتحرم الاعتداء عليهم بالكلمة او الفعل مهما اتسعت هوة الاختلاف في الفهم او التفسير فهل من مدكر..؟

ورحم الله الإمام الشافعي وأسكنه فسيح جناته، وأفاد الله بعلمه وحكمته المسلمين.. اللهم آمين.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *