غادة الرفاتي

خازوق دقّ ولن يقلع

أبو سليم من قرية “راجعين” قضاء احدى مدن فلسطين ال 48 كان عمره عشرون عاما عندما احتل الصهاينة بلاده – وأجبر مثل الكثير من الفلسطينين على النزوح من قريته “راجعين” الى مناطق الضفة الغربية او ما يعرف بفلسطين ال67 – فسكن وزوجته في بيت صغير مع امه وابيه واخوانه العشرين معتقدين انها اياما وربما بضعة اسابيع وسيعودون الى قريتهم “راجعين” فالعرب لن يقفوا مكتوفي الايدي على احتلال أرض فلسطين , وكان في كل يوم يقول لزوجته حتما سنعود يوما الى قريتنا ونأكل من بيارات البرتقال والليمون ومن شجر الزيتون اللي زرعهم جدي اسماعيل… اه يا ام سليم كم اشتقت لقريتي وكم اشتقت لبحر يافا ولهواء اللد وحيفا ولتراب الرملة. ومرت الايام والسنين وما زال ابو سليم ينتظر العودة وبدأت حرب ال 56 فقال لزوجته يا أم سليم ضبي اغراضك وجهزي حالك كلها ايام وراجعين وراح يقضي جمال عبدالناصر على اسرائيل وراح ننتصربهذه الحرب وينتهي الاحتلال وتتحرر بلادنا ونعود لقريتنا ونفلح أرضنا.. ولكن بالرغم من انتصار مصر ولكن حقيقة هذه الحرب أن العدو هو الذي أحرز نصرا باستلائه على قطاع غزة وسيناء, غضب ابو سليم وقال في نفسه ما بضيع حق وراه مطالب واحنا على حق ولازم في يوم ترجع فلسطين ونرجع لقريتنا
” راجعين”… ورُزِق ابو سليم اثناء فترة لجوئه ونزوحه بيعقوب واسماعيل و خليل وابراهيم ويحي وعمران وحنين وغربة وجنين وعسقلان وزهرة المدائن وآخر العنقود كان توأم عيسى ومريم .وقال يا ام سليم ان شاءالله أولادي وبناتي يتربوا ويكبروا في قريتي ” راجعين”.ومرت الايام والسنين وبدات حرب ال 67 وقال يا ام سليم هاي المرة ما راح تسلم الجرّة, اكيد راح نهزم اسرائيل ونجبرهم يرحلوا عن بلادنا ونرجع احنا وأولادنا ,ولكن انتهت الحرب بسقوط كامل لفلسطين من غزة الى قبة الصخرة والقدس الشرقية وضاعت فلسطين وزاد عدد اللاجئين والنازحين فتهجّر اكثر من نصف الفلسطينيين الى الاردن ولبنان وسوريا وانتشروا في بقاع العالم وما زال يحلم ابو سليم بالعودة الى قريته “راجعين ” ويأكل من بيارات البرتقال ويفطر على خبز الطابون مع الجبنة وزيت الزيتون.

كان يحلم ابو سليم بالعودة ورفض ان يشتري أرضا أو يبني بيتا خارج حدود فلسطين… فعينه لم تفارق قريته وما زالت احلامه أن يحمل فاسه ويزرع أرضه قمح وسمسم وبالليل يسهر على صوت اليرغول ويغني يا ظريف الطول وكان يقول دائما على مسمع اولاده واحفاده ( ما اجمل قريتي راجعين وما أجمل بلادي فلسطين ولن أبدلها ببلاد العالم اجمعين) وطالت سنين الغربة وهرم أبو سليم وشاب شعر راسه ولحيته وانحنى ظهره ومع كل يوم يزداد شوقه وحنينه الى قريته وبلاده وعندما أحس بقرب أجله جمع أفراد عائلته ليذكرهم بفلسطين وبقريته “راجعين” وبشجر التين والزيتون والسمسم والليمون فأجابه أصغر احفاده طفلا جالسا بين أحضانه فَهِمَ ما يجري في الامة من عرب شيعة ومن سنة
قال يا جدي الا تعلم , هيهات هيهات ان نرجع
فأجراسُ العودةِ لن تقرع … خازوقٌ دقّ ولن يقلع من جبل الشيخ الى سعسع
فحال امتنا يا جدي يزداد من سوء الى أسوء .

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

غادة الرفاتي

إعلامية وكاتبة بصحيفة المستقبل الامريكية – شيكاغو

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *