غادة الرفاتي

الغزو العراقي – جرح موتني وأنا حي

مرّ 26 عاماً على غزو الكويت وهو يوم لن انساه ابداً فلقد حدث ذلك بعد أن غادرنا الكويت في رحلة سياحية الى الولايات المتحدة الامريكية ليحدث الغزو ونحن بين السماء والأرض – وعندما وصلنا لمطار شيكاغو عرفنا ما حصل لدولة الكويت الحبيبة والتي اعتبرها موطني الذي لو شغلت بالخلد عنه لنازعتني اليه في الخلد نفسي . وما أصعب ان يُنزع منك الامان في لحظة وتقضي بقية عمرك تعاني من أثر هذا الغزو وهذا الاحتلال والذي لن تمحيه السنوات مهما طالت، لتشعر بانعدام الثقة والامان وتشعر بموتك وأنت حي.
هذا الغزو الذي غيّر وجه العالم من حولنا وكان نقطة تحوّل لكثير من المجريات والاحداث والتغييرات على مستوى العالم وخاصة الوطن العربي سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً – بنظري غزو الكويت كان له تـــــأثير سيء على معظم دول العالم وقد تأثر به الجميع وما زال الى يومنا هذا.. لم يعد العالم له لون بمبي أولون وردي – انما عالم يملؤه سواد البترول وحقول النفط الذي أحرقه الطاغية صدام حسين ليملئ سماء الكويت بالدخان الاسود ولينتقل هذا السواد الى قلوب الكثير من الناس في وطننا العربي وبدأنا الان نحصد حصيلة هذا السواد – وكانشقاق القمر اصبح الوطن العربي في انشقاق مستمر يزيد يوما بعد يوم لنعيش الان حالة الفوضى العارمة في كل مكان …
ليس للكويت ذنب في هذا كله بل الكويت كانت ضحية تصرف غبي متهور طائش ، ضحية قرار ظالم أُتُخِذ ومازال الوطن العربي بشعوبه يدفع ثمن هذا التصرف والغزو. الكويت التي كانت دائما وما زالت تمد يد العون لكل شعوب الوطن العربي خاصة ولشعوب دول العالم عامة – الكويت التي وقفت دائما مع قضايا العرب في المحافل الدولية – الكويت التي وقفت من سنين طويلة مناصره ومدافعة للقضية الفلسطينية وترفض وبشدة الاحتلال الصهيوني واعتداءاته – الكويت وأكاد اجزم انها الدولة الوحيده عربياً واسلامياً لم تتطبع ولم تتعامل ولم تجتمع مع اسرائيل سواء كان ذلك علناً او سراً ….. الكويت التي دائماً مواقفها تجاه القضية الفلسطينية شعباً وحكومةً موقف واحد وواضح وهو رفض العدوان والاحتلال والمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينين الى اراضيهم … الكويت حمامة السلام – القلب الابيض النابض بالخير في ظل ال الصباح الكرام في خريطة وطننا العربي …
ومنذ تاريخ 2 اغسطس 1990 انعدم الامن والامان في الوطن العربي ككل
لنعيش انقسام بعد انقسام وحرب بعد حرب وانقلاب بعد انقلاب وسفك دماء وارهاب والان التفنن بقطع رقاب كذبح شاه. وبعد ان كان عدونا واحد اصبحنا اليوم اعداء بعضنا البعض، نقتل اخواننا وأبناء عمومتنا وجلدتنا، نقتل ونذبح القومية العربية والقومية الاسلامية بانتظار ربيع قادم ولن يأتي هذا الربيع ابدا وكأن على الدنيا السلام، بل أصبحنا نصدّر الارهاب لنقتل الابرياء. وأُلصِقت بسبب تصرفات البعض منا تهمة الاسلام الارهابي، وديننا دين السلام والمحبة والامان . لنضرب بعرض الحائط الاية الكريمة من سورة المائدة “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” وأيضا نضرب عرض الحائط بحديث رسول الله ” لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه” فكيف بغزو بلد جار وترويع اهله وهم نيام ومن ثم اعلانها محافظة رقم 19 .
رحم الله الايام التي عشناها قبل غزو الكويت في دولة الكويت، أيام الطيبة والخير التي كانت تعم في سماء اوطاننا كلها، وكم تمنيت ان يكون كل هذا كابوس طويل نصحوا منه جميعا، وكم أتمنى ان تسطع شمس الخير والامن من جديد بعد ليل طويل دامس مظلم، كما أدعو الله ان يرسل علينا معجزة من السماء تمطر علينا مطر الخير الذي يغسل قلوبنا جميعا من الكره والطائفية والمذهبية لينبت هذا المطر سنابل الحب والخير والطيبة والوحدة على ارض اوطاننا تحت راية التسامح والمحبة والامن والامان لنعيش جميعا اخوة متحابين على هذه الارض التي ملئت بدماء الابرياء.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

غادة الرفاتي

إعلامية وكاتبة بصحيفة المستقبل الامريكية – شيكاغو

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *