سامي النصف

السؤال هو أين زرعت القنبلة؟!

يعتبر الطيران الوسيلة الآمن في النقل لسبب بسيط هو انه لا يوجد في قاموس علومه ما يسمى بتسجيل حوادثه «ضد مجهول»، بل تتم معرفة الفاعل في كل مرة للمحاسبة، والاهم لتعلم الدروس، وسد الثغرات، ومنع الحوادث اللاحقة، لذا فهناك ما يسمى بـ «التقرير الاولي السريع» الذي يتم خلال ايام قليلة متى ما توافرت الادلة والقرائن كحال قراءة مؤشرات ومسجلات الصندوق الاسود وفحص جسد الطائرة واجساد الضحايا، الذي ينفي او يثبت نظرية الانفجار ومكانه، ثم يتلو ذلك خلال فترات تمتد لسنوات صدور «التقرير الرسمي النهائي» الذي يشارك في كتابته المحققون الفنيون والجنائيون والمحامون، وخير مثال للمهنية والاحتراف حادث «الجيرمن ونغ» شهر مارس الماضي، حيث اعلنت سلطات التحقيق وحتى الشركة المالكة الالمانية خلال ايام قليلة انتحار مساعد الطيران، ولم تواصل الانكار وطلب انتظار صدور التقرير النهائي.

***

حادث الطائرة الروسية في سيناء هو الاسهل في التحقيق وفي سرعة اصدار التقرير الاولي، حيث وجد مع لحظة وقوع الحادث الصندوق الاسود واجزاء الطائرة واجساد الضحايا، حيث لم يختفوا في اعماق المحيطات الزرقاء او قمم الجبال البيضاء، لذا لم يكن من المهنية على الاطلاق طلب سلطات الطيران المصرية انتظار صدور التقرير النهائي الذي قد ينتهى منه خلال سنوات، وكان من الافضل في ظل توافر الحقائق اصدار «تقرير اولي متفق عليه» يقر بوجود قنبلة بالطائرة، فإنكار ذلك الامر يعني اما لوم الشركة الصانعة عبر ادعاء تفكك جسد الطائرة بالجو دون دليل، او لوم شركة الطيران ودون دليل كذلك عبر ادعاء وجود اخطاء بالصيانة او خطأ الطيار، او الخيار الثالث وهو الحلم بأن تسجل الحادثة «ضد مجهول»، وهذا مستحيل.

***

ان النقطة المهمة التي كان على السلطات المصرية ان تركز عليها بدلا من الانكار المتواصل الذي اضر بمصداقيتها او مهنيتها، وشكك في رغبتها في الاصلاح هو البحث عن مكان زرع القنبلة، لا انكار وجودها، ومن ثم جعل مطار شرم الشيخ «احد» الاماكن المحتملة وليس الوحيد، فحجم القنبلة الذي اقرت به الجهة الفاعلة (داعش) لا يؤهل لاسقاط الطائرة اذا ما زرع في العفش او حتى في خلف كابينة الركاب، كما ادعى بعض خبراء الطيران الدوليين (!)، حيث ان خلف كابينة الركاب هو المكان الآمن والاقل ضررا الذي توضع به اي قنبلة تكتشف بالطائرة او ما تسميه الشركات الصانعة Bomb Least Risk-Location.

لذا، فالاحتمال المنطقي ان القنبلة زرعت بشكل فني ومختص ودقيق قرب الذيل، وهو امر صعب اذا لم نقل مستحيل ان يتم خلال دقائق الترانزيت القليلة في مطار شرم الشيخ في عز النهار وبوجود رجال الامن وعمال العفش والمهندسين والفنيين.. الخ، والاسهل من ذلك ان يتم زرعها خلال مبيت الطائرة دون حراسة في مطار آخر او خلال فترة الصيانة المطولة ان تمت قبيل رحلتها لشرم!

***

آخر محطة: (1) ادعت «داعش» كاذبة ان الطائرة اسقطت بصاروخ، لذا فمن يقل انها لم تكذب ثانية عندما ادعت انها زرعت القنبلة في مطار شرم كي تغطي على زرعها في مكان آخر ولضرب الاقتصاد المصري، فلماذا تكشف عن مكان وتفاصيل القنبلة وهي القادرة على تكرار التجربة؟ ولماذا قامت الدول ذات الاجهزة الاستخبارية والتنصتية بارسال طائراتها لملئها بالركاب من مطار شرم لو كانت تعتقد حقا باختراقه من قبل داعش؟ ولم ترسل ركابها برا للقاهرة او حتى تطلب من مصر استبدال كامل الطاقم الامني والفني لمطار شرم ولها الحق في ذلك؟!

(2) طائرة الايرباص المنكوبة تستخدم تقنية التحليق بالكيبل او السلك او ما يسمى Fly By Wire حيث تترجم الكمبيوترات حركة الطيار الى اوامر للاسلاك كي تحرك دفة الذيل، لذا يحتاج الامر الى مختصين وفنيي طيران ومتفجرات وخبراء لمعرفة المكان الامثل والاخطر كي يقوم تفجير صغير بتدمير كبير يدل عليه فصل الذيل كاملا وسقوطه بعيدا عن الطائرة!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *