سامي النصف

الحروب البديلة والخفية بالمنطقة!

البديل الحديث للحروب العسكرية المعلنة التي تستهدف تدمير الأعداء وبث الفرقة بين صفوفهم وتشويه سمعتهم أمام شعوب العالم لتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية على حسابهم، هو الحروب الاستخباراتية المتقدمة التي تقوم علومها وخفاياها على التآمر والخداع الشديد وزرع العملاء ممن يدعون العداء الكاذب لمن زرعهم كي تصل تلك الأجهزة الذكية شديدة التقدم والتعقيد للنتائج نفسها، فيتم تدمير الخصوم وبث الفرقة والحروب بين صفوفهم عبر من يدعون التدين والوطنية والإصلاح ومحاربة الفساد أمام ميكروفونات الإعلام ومن فوق منابر المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتم في العادة توزيع الأدوار بين العملاء حيث يخلق العداء المصطنع والفرقة الزائفة بين القيادات التابعة كي يتم عبر حروبهم بعضهم ضد البعض قتل السذج من الأتباع (وما أكثرهم) وتدمير البنى الأساسية للأوطان المستهدفة كي لا تقوم لها قائمة لعقود وقرون وتبقى دولا ضعيفة مشتتة تستورد كل شيء!***

وضمن الحروب الاستخباراتية عمليات غسيل الأدمغة عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاقتناص أكثر الشباب غباء وحمقا وحقدا وكرها للبشر وللحياة، ويتم في العادة اكتشافهم عبر الحوار معهم وادعاء ان الطرف الآخر على الشبكة شابة أو شابا بريئا يخشى الله وليس منظومة استخباراتية متكاملة، ويتم تحويلهم الى قنابل بشرية حانقة لا عقل ولا إحساس لها.

***

ومن يرقب عن كثب ما عمله الشاب الإرهابي سعد العنزي من قتله لقريبه بدم بارد أمام الكاميرا ثم قتله اللاحق للأبرياء من المسلمين، وهو من يفترض به الطمع في الجنة والإيمان بالدين الإسلامي الذي جعل هدم الكعبة أهون عند الله من حرمة دم المسلم، يعلم ان سعدا وأمثاله قد خضعوا لعمليات غسيل أدمغة متطورة قد تستخدم فيها أحيانا مخدرات مبتكرة، وقد أثبتت التحقيقات الأولية لجريمة باريس النكراء وجود مواد مخدرة في دماء من يفترض انهم متشددون في الدين، وقد أخرجت المخابرات والمختبرات في الستينيات حبوبا عرفت باسم L.S.D للعب بأدمغة الشباب وتحويلهم الى قتلة لا شفقة لديهم ليصبحوا جنودا في حرب فيتنام «إرهابيو باريس قتلوا الأبرياء من أطفال ونساء وأدمنوا المخدرات، فماذا تركوا للكفار كي يقتلوهم بسببه؟!».

***

وتحويل الشباب الى مكائن قتل تنصاع للأوامر وتقتل من تؤمر بقتله بدم بارد حتى لو تسبب العمل الإرهابي في قتلهم، ليس اختراعا جديدا أو أمرا مرتبطا بدين أو مذهب أو حتى طمعا بـ «حور العين» كما يشاع، فقد قام به قبل قرون شيخ قلعة الموت الحسن بن صباح، وفي السبعينيات الشيوعي بول بوت المسمى الأخ رقم 1 والذي أطلق على العام الذي قتل فيه شبابه نصف الشعب الكمبودي «عام الصفر»، وتزامن معه الإرهابي أبونضال الذي قتل وأباد ثلثي شباب منظمته ليغسل عبر ذلك القتل أدمغة شباب منظمته عبر التخويف والترعيب والترغيب حتى يكرهوا الحياة ويصبحوا ممتنين للقيادي أبونضال كونه لم يقتلهم أو يقتل أهلهم (ما يسمى بـ «عارض استوكهولم») لينطلقوا بعد ذلك لقتل المئات من الأبرياء دون سبب غير عابئين بالموت، بل كانوا يجدون فيه الخلاص من العذاب والرعب الذي يعيشونه وقد استخدم أبناء صدام وأبناء القذافي الأسلوب نفسه مع أتباعهم وشباب ميليشياتهم!

***

آخر محطة: كمثال.. في ملف التحقيقات مع الشاب الفلسطيني الذي أرسله أبونضال- إبان تواجده في دمشق- لاغتيال الإعلامي الكويتي احمد الجارالله، فأصابه بثماني رصاصات في جسده، يسأله القاضي إن كان هناك ما يود قوله قبل صدور الحكم، فيجيبه الشاب: «ان لم تعدمني واستطعت في يوم ما الهرب من السجن فإن أول عمل سأقوم به هو اغتيال الجارالله»، علما بأنه لا معرفة شخصية بين الشاب والزميل بومشعل، كما لم يعرف عن الجارالله إيذاؤه او تحريضه لقتل الفلسطينيين بعكس أبونضال الذي قتل شباب منظمته واغتال قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، قبل اغتياله او تحديدا قبل اختفائه في بغداد الغامضة عام 2002 قبل أشهر قليلة من سقوطها..!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *