سامي النصف

القناة الجديدة ليست فيلاً أبيض!

يقال إن بعض المهراجا الهنود يتعمدون إيذاء أتباعهم عبر إهدائهم فيلا أبيض كي يعتنوا به، وبالطبع سيقوم الفيل كعادته بأكل محاصيلهم الزراعية التي يعيشون منها وتدمير البيوت والمخازن والأسوار ودهس الأطفال والحيوانات والدواجن.. إلخ.

***

في تاريخ مصر الحديث، أي ما بعد 1952، أهدى كثير من قيادتها أفيالا بيضاء لشعبها، والغريب ان هناك من هلل ورحب في حينه وانبسط بتلك الهدايا، فقد أمم الرئيس الراحل عبدالناصر قناة السويس عام 56 لتمويل مشروع السد العالي (رغم وجود عرض سوفييتي للتمويل أفضل من الأميركي)، ونتج عن التأميم شن حرب ثلاثية على مصر دُمرت خلالها طائرات حربية وأسلحة جديدة تم شراؤها من الكتلة الشرقية بمئات الملايين من الدولارات ولحقها تعويض حملة أسهم القناة (لماذا لم تشتر مصر الأسهم بدلا من التأميم؟)،

كما نتج عن التأميم وهزيمة 56 فتح مضائق تيران التي تسبب إغلاقها قبل عام 1967 في الحرب والنكسة الكبرى وخسارة سيناء وغزة للمرة الثانية ثم إغلاق القناة وخسارة مواردها لمدة 9 سنوات، ولو لم يتم التأميم لحصدت مصر موارد القناة لمدة 12 عاما ولتسلمتها مصر دون حرب أو ضرب عام 1968، الأغرب ان هناك من مازال يظهر فرحه وفخره بفيل التأميم ناصع البياض!

***

وأهدى الرئيس أنور السادات لشعبه فيلا أبيض سمي بـ«الانفتاح» الذي أطلق عليه شعبيا مسمى «الانفتاح السداح مداح» الذي انتظر الشعب خيراته فلم يصل إلى شيء حيث لم يحول مصر، كما حدث مع كوريا الجنوبية او تايوان وباقي دول شرق آسيا، الى دولة صناعية وتكنولوجية متطورة تنتج وتصدر، وبقي الحال على ما هو عليه رغم انتصارات حرب 1973 المجيدة والسلام التاريخي الذي أوقف الحروب مع إسرائيل وفتح القناة وأرجع سيناء وخيراتها لمصر، إلا أن كثيرا من تلك الإنجازات التي هلل لها كثيرا حُصد منها القليل وبقي الحال على ما هو عليه.

***

وأتى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أنجز كثيرا في السنوات الأولى والمتوسطة لحكمه إلا ان إعلامه أخفق في ايضاحها للناس الذين زاد تذمرهم، وقد جعل مبارك باختياره «مشروع توشكى» هو جوهرة تاج حكمه وانتظر الناس ولم يحصدوا شيئا، وكان نظام مبارك قبل 20 عاما قاب قوسين أو أدنى من إقرار مشروع العالم د.فاروق الباز المسمى بممر «التنمية والتعمير» الذي يمتد بطول 1200 كم من بحيرة ناصر الى ساحل البحر الأبيض عبر الصحراء دون الحديث عن التمويل والعائد الاقتصادي، وهو ما كان سيعتبر لو أقر حديقة حيوان كبرى مليئة بالأفيال البيضاء كانت ستطلق على الشعب لتبقيه على الحديدة وتفلس الدولة لولا ان ستر الله.

***

مع فرحة الشعب المصري العارمة ومعه الشعب الخليجي والعربي بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة بدأ البعض بمحاولة التنغيص على تلك الفرحة الكبرى بالتشكيك والتصغير وحتى التحقير لما تم، عبر الادعاء أن المشروع لا يزيد على تفريعة أخرى في القناة لا جدوى اقتصادية منها، والحقيقة لا يوجد محب لمصر وشعب مصر يرتضي بأن يفشل مشروع القناة الجديدة التي يفترض ان تكون بداية سلسلة مشاريع تنموية كبرى تفيد شعب مصر وتعوضه عن مشاريع الأفيال البيضاء السابقة، لذا لن يرضى احد بالتحبيط، فالقناة الجديدة ليست ملك الرئيس السيسي بل هي ملك الشعب المصري قاطبة بناها من أمواله وهو من سيحصد خيراتها إن شاء الله.

***

آخر محطة: انتقادات بعض الاقتصاديين المصريين للقناة الجديدة كان محله الصحيح لو حسنت النوايا.. عند بداية المشروع كي يستفاد منه.. لا نهايته!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *