حسن العيسى

السلطة هي السلطة

السلطة هي السلطة التي تدير الدولة الآن بأسعار نفط تتراوح بين الأربعين والخمسين دولاراً، هي السلطة ذاتها (ماكو غيرها ولا يهم تغيير شكل الحكومات وأسماء الوزراء) التي كانت تدير الدولة وتحكم كل السنوات الماضية، وكانت أسعار النفط تتجاوز المئة دولار. هي السلطة الواحدة (ماكو غيرها) حين كان الناس يشكون من رداءة الخدمات العامة وتدنيها في الصحة والتعليم والمرور وفوضى المرافق العامة، حين يغرق المواطن أو المقيم في دهاليز الإدارات العامة المتخمة بعدد هائل من الموظفين دون عمل (بطالة مقنعة) لإنجاز أبسط معاملة، وطبعاً نتيجة الإنجاز في معظم الأحوال محبطة، فالرشوة أو الواسطة ضروريتان دائماً، هي السلطة ذاتها اليوم التي تدير الجهاز الإداري السيئ السابق، لكن مع دخل عام انخفض للنصف تقريباً، وبجهاز إداري فاشل رديء ينتظر المزيد من الاسترضاءات والكوادر المالية، وإن انخسف الحال بالموارد المالية للدولة.

السلطة هي السلطة (وماكو غيرها) التي لم تقدم فاسداً واحداً (مقال حسن جوهر قبل فترة) للعدالة كل السنوات الماضية، ولم تعترف ولو لمرة واحدة بفشلها في إدارة مرفق عام، من فضيحة هاليبرتون وعقود الدفاع، وقبل ذلك الاستثمارات الخارجية إلى محطة مجاري مشرف والداو، إلى اليوم مع فضيحة “ملياردير التأمينات الاجتماعية”، والذاكرة لا تسعف أحداً في تعداد قضايا الفشل والفساد وسوء الإدارة، هي السلطة ذاتها الآن التي مازالت تدير الدولة بالنهج ذاته وبالعقليات التقليدية ذاتها بسعر النفط الكارثي اليوم، فلا محاسبة ولا مسؤولية على أحد، ففقه السلطة المتحجر ينفي بطبيعته فكرة الخطأ والمسؤولية.
هل تشعر السلطة بقلق من القادم؟! هل تنظر لما يحدث في المنطقة من تغيرات رهيبة من فوران إرهاب الكراهية الدينية المذهبية إلى تدخلات دولها الكبيرة في أمور دولها الصغيرة؟ وكيف كانت سلطات دولنا تغذي النعرات والتخندقات المذهبية والعشائرية بوعي وبجهل أو بلا وعي حين عجزت عن قراءة مستقبل الأوطان، وحصرت همومها بديمومة الكراسي الحاكمة…؟ هل تقلق السلطة من الغد، من تناقص حتمي لمورد حياة الدولة الوحيد ومن تحديات السيادة على حدودها، ومن خطر زوال الدولة أو مواجهة واقع “الدولة الفاشلة”…؟ أم انها لا تفكر ولا تقلق بأي أمر، فهي تعتقد أنها جبل لا يهزه ريح…؟ مع أنه جبل من الورق، وهو ورق دراسات نظرية دون تطبيق، ورق معاملات متأخرة منسية، ورق خطابات رسمية بوعود بالإصلاح لا تتحقق… هل تقلق السلطة وأمامها تحد خطير لا يقل عما جرى في ضياع الدولة عام 90… هل تقرأ السلطة؟ هل تتعلم؟ أنا فاقد الأمل ويا ليتني غلطان… “فهذا سيفوه وهذي خلاجينه”… السلطة هي السلطة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *