جابر محمد المري

الدواعش

عانت أمتنا العربية والإسلامية منذ قيام تنظيم داعش العديد من الأزمات والاضطرابات على مستوى أمن دولها واستقرارها وبات التنظيم يشكّل جرحاً غائراً في جسد الأمة استطاع الأعداء من خلاله أن ينفثوا فيه سمومهم وينخروا في لُحمتهم الوطنية حتى تمكنوا من تفريق صفهم والقضاء على آمال توحدهم ولم شملهم !!

خطورة هذا التنظيم الإرهابي تكمن في أنهم يوظفون إمكانياتهم اللامحدودة والتي بات من الواضح أنها تأتي من قبل دول ومنظمات لها مصالح كبيرة في تأجيج الحرب في المنطقة ووأد أي ثورة شريفة تقوم بها الشعوب الثائرة على ظلم وطائفية حكامها ولا سيما في سوريا والعراق، هذا التنظيم المارق يسوّق وببراعة متناهية فكره الفاسد بين عقول الشباب المغرر بهم ويزيّف الحقائق أمام أعين معتنقي فكره لتوسيع قاعدته وتنفيذ أهداف مؤسسيه الذين يسعون بكل ما يملكون لحماية سلاطين وطغاة الظلم في العديد من دولنا العربية !!

ولعل ما يحدث في أرض الشام والعراق وما يتعرض له الثوار من غدر هذا التنظيم وطعنه من الخلف وتراجع مكاسب الثورة السورية لهو أبلغ دليل على نهج وسياسة هذا التنظيم، والفضائح التي تم الكشف عنها مؤخراً في القبض على قادة من داعش تُبيّن أنهم في الأساس يتلقون أوامرهم من النظام السوري، وكلما تقدم الثوار على الأرض غدرهم التنظيم وأسهم في مساعدة قوات النظام في التقاط أنفاسه لاسترداد ما خسره من مناطق !!

قوة هذا التنظيم للأسف تقوم على درجة كبيرة من النجاح في استقطاب أكبر عدد من العناصر الشابة وغسل عقولهم بواسطة فكرهم الذي يوهم معتنقيه بأن خلاص هذه الأمة لن يأتي إلا من خلالهم وبأن الأمة تائهة وغارقة في غيها وجهلها وآن الأوان لتخليصها من جبابرتها وعتاتها حتى لو استلزم الأمر تدمير الملايين من الأبرياء !!

ومن الطبيعي جداً ألا يقبل هذه الأفكار الضالة الخارجة عن نهج ديننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم سوى من يعانون من مشاكل اجتماعية واضطرابات نفسية ولديهم نفور وعداء لمجتمعاتهم وأسرهم الحاضنة التي ترفض سلوكياتهم وتنبذها تماماً.

وقد وجد هذا التنظيم ضالته من خلال استهداف هذه النوعية من العقول الشابة الضالة عن الطريق القويم وتمكن من توظيف ما يعانيه من عقد ومشاكل نفسية واجتماعية لزرع الحقد لديه وتقبّله لأي فكرة مجنونة قد يتم عرضها عليه في أي وقت، ومن هنا أصبح الانتحار لغة مقبولة لديه طالما أن فكر التنظيم يأمر بها ويجده وسيلته الرادعة لكل من يرونهم مرتدين وخارجين عن الدين !!

ولو تمعنّا جيداً في كيفية اختيار التنظيم لضحاياه من الانتحاريين لوجدناهم يقعون في مصير إحدى حالتين؛ إما صغيراً في السن مغررٌ به للقيام بهذا العمل الإجرامي أو شاباً كان يمارس سلوكيات خاطئة كإدمان للمخدرات أو إيذاء للناس بممارساته السيئة والمنبوذة من مجتمعه ووجد هذا الشاب التنظيم خلاصه بادعائه أنه انتشله من الضياع والفساد الذي كان يعيشه في السابق وبالتالي فإن قبوله لهذا الفعل المجرم ما هو إلا عرفاناً منه لهذا التنظيم !!

ولو أحصينا عدد من نفذوا هذه العمليات الانتحارية لوجدنا غالبيتهم من أبناء الجزيرة العربية الذين يشكلون عصب هذا التنظيم وقوته الضاربة التي يُعوّل عليه كثيراً في عملياته الانتحارية والتي غالبية ضحاياها من المدنيين الأبرياء !!

ولعلنا نسوق أحدث وأقرب مثال لانتهاكات وجرائم هذا التنظيم ما قام به الانتحاري السعودي صالح القشعمي والذي وظّفه التنظيم للقيام بتفجير مسجد في محافظة القطيف أدى إلى مقتل العديد من مرتاديه، القشعمي كان منذ صغره نجيباً ذكياً محباً لدينه ووطنه حتى لوث هذا التنظيم فكره واختطف عقله وكل حواسه ليغرر به لتنفيذ هذا العمل الإرهابي، ولولا هذا الفكر الفاسد لكان لصالح القشعمي أن يكون مواطناً صالحاً نافعاً لبلده ولأهله وأن يعيش حياة هانئة يؤسس فيها أسرة صالحة تُسهم في بناء وطنها وتحارب كل صور الإرهاب والتطرف.

يؤرقني كثيراً عندما أرى بعض أبناء الوطن الجهلة يسوّقون لفكر هذا التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يؤكد أنهم تعرضوا لغزو فكري من قبل هذا التنظيم وأدعيائه والذين قد يتخفون من خلفنا ويمارسون وسائلهم الخبيثة من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من هذه الفئة الضالة !!

لا بد أن يكون لدى كل دولنا جهة تراقب مثل هذه الحالات الشاذة التي تؤمن بفكر داعش، فهذا الفكر يحتاج إلى مجابهته بفكر صارم يقتلع نوايا وخبث هذا التنظيم من عروقه ويحمي شبابنا من خطورة وفساد فكره وممارساته.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

جابر محمد المري

كاتب قطري
[email protected]

twitter: @jalmarri2011

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *