محمد الوشيحي

بِخ

يقيني أن الشراسة لم تكن موجودة في الحياة قبل وجود العراق. العراقيون هم الذين أوجدوها. هم الذين صنعوها وأسسوها، بالمشاركة مع الليبيين.
العراقيون حتى في قصائدهم الغزلية شرسون. وسبق لي أن كتبت مقالات عدة عن شراستهم، منها تلك التي تحدثت فيها عن أيام الدراسة، التي جمعتنا بهم، في الكلية العسكرية في مصر، وفي أيام المراهقة والزعرنة، وجاء فيها…
“وتوالت الأيام والعركات، وبلغني ذات مساء أن العراقيين ضربوا أحد الكويتيين، وأنه يرقد الآن في عيادة الكلية، فاقتحمت عنبر العراقيين، على اعتبار أنهم ما إن يروني حتى يتشعبطوا بالسقف هرباً، أو يندسّوا تحت أسرّتهم فزعاً، فأضطر مكرهاً إلى سحب الواحد منهم بكراعه من تحت سريره، وكف كفين، وبكس بكسين، وأعود إلى عنبر الكويتيين بالغنائم. لكن خطأً ما حدث في السيناريو، إذ أغلق العراقيون باب عنبرهم وأنا في الداخل! ووفقهم الله فخنقوني، وألهمهم الله فداسوا في بطني، وأعطوني ما تيسر من اللكمات، والرفسات، ثم حملوني، مشكورين، ورموني خارج العنبر، وأغلقوا الباب على أنفسهم، تحسباً لانتقام الكويتيين.

وكنت لشدة “الخنق” الذي تعرضت له، أشرح ما حدث للربع بالبحّ الفصيح: بح بح بحوح، وأشير بإصبعي إلى عنبر العراقيين، فهجم الربع عليهم، بعد أن انتزعوا ألواح الأسرّة ليستخدموها كهراوات، وأخذوا يدفعون الباب من الخارج ليقتحموا العنبر…”. انتهى الاقتباس.
هذا جزء من إحدى مقالاتي عن العراقيين وشراستهم. لكنني اليوم أرى صورة أخرى تختلف كلياً عن تلك المرسومة في ذهني؛ أرى القوات والألوية العسكرية العراقية تولول هاربة، في كل مرة يهجم فيها “داعش”، أو حتى قبل هجوم داعش، لتستنجد بالإيرانيين والأميركان!
أين أسلحة الجيش العراقي؟ أين شراستهم؟ لا يمكن أن ينقلب النمر فجأة إلى دجاجة، إلا إن كانت خطة خبيثة، تفتح للدواعش الباب كي يعيثوا في الأرض فساداً، ويقتلوا سكان هذه المناطق، ثم تهجم القوات الإيرانية، فتبيد الدواعش والسكان معاً.
ما نشاهده الآن لا يمكن أن يقبله عقل، جيش متكامل يهرب عند أول كلمة “بِخ” يقولها جندي داعشي، أو حتى قبل أن يقولها. لا شك أن في الموضوع “إن” وأخواتها ومخططاتها.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *