د. أحمد الخطيب

جمعية الشفافية… والعنجهية الرسمية الفارغة

لقد ابتلينا بجهات في الدولة تشوّه صورتنا، عالمياً، لجهلها المخجل بالتغيُّرات الاجتماعية في العالم، وتطوُّر سلطة المؤسسات الدولية والرأي العام العالمي ومنظماته الأهلية المتعددة.
لدينا جهات رسمية لا تعترف بهيئة الأمم ومؤسساتها المتعددة وقراراتها وأنظمتها الكثيرة، بسبب فهمها غير الصحيح للسيادة، فكل نشاط تطوعي يُعد مخالفاً لقانونها، ما لم يأخذ الرخصة اللازمة من الوزارة المعنية

هذه الجهات مازالت تجهل، أو تتجاهل، أن معظم هذه الأنشطة تأخذ شرعيتها من المنظمات الدولية المعنية، وليس من حكوماتها، لأنها جزء من هذه المنظمات، ولا تحصل على هذا الشرف، ما لم تثبت استقلاليتها التامة من حكوماتها، مالياً وإدارياً، وأيضاً عليها أن تفرض وجودها وفاعليتها في بلادها، متحملة كل عرقلة وصعوبات رسمية، وتكون مستعدة لتقديم التضحيات، وحتى التصفيات الجسدية في كثير من الحالات… فلجنة حقوق الإنسان الكويتية، مثلاً، وكانت برئاسة جاسم القطامي، أثبتت وجودها، محلياً ودولياً، رغم عدم الاعتراف بها من قِبل وزارة الشؤون، ولم يسمح لها بالحصول على مقر أو إصدار نشرة دورية، أو حتى فتح حساب في البنوك الكويتية.
الجدير ذكره أن مرض “أبومحمد”- رحمه الله- أتاح الفرصة لعناصر طائفية وعنصرية مباحثية للتسلل إلى داخل الجمعية وإجهاض عملها الإنساني.
التذرع بالسيادة، أو منع التدخل في السياسة، أمر تجاوزته الأوضاع العالمية الحالية، فقد أخذت المنظمات الدولية تفرض قراراتها على الجميع، حتى انها أعطت لنفسها الحق في محاكمة الحكام أنفسهم أمام محكمة الجنايات الدولية إذا أجرموا بحق شعوبهم أو بالآخرين، على الرغم من عرقلة بعض الدول الكبرى – الفاقدة للحس الإنساني والمنحازة لمصالحها الخاصة – لهذا الحق… هناك محاولات ستنجح، إن عاجلاً أم آجلاً، لحصر العضوية في هيئة الأمم على الدول التي تخضع انتخاباتها لإشراف دولي كامل، يؤكد نزاهتها واحترام حقوق الإنسان فيها، مثلما هو مطلوب الآن من الدول الراغبة في الانضمام إلى مجموعة الدول الأوروبية، فلا يُعقل أن يتم قبول كل مَن يصل إلى السلطة، ولو بانقلاب عسكري أو اغتيال مدعوم من قِبل حرامية ومجرمين، كعضو في هيئة الأمم!

وجود السياسة

كذلك، فإن ذريعة التدخل في السياسة كلام لا محل له من الإعراب، فالسياسة موجودة في كل المجالات… فهناك سياسة تعليمية، وأخرى اقتصادية أو عسكرية أو صحية أو إسكانية ورياضية وغيرها، هذه النشاطات كلها بحاجة إلى رسم سياسة فَعّالة لتنفيذها، كي تحقق أهدافها، لأن الارتجالية والعفوية تؤديان إلى الفشل والفوضى، كاللذين نشاهدهما الآن في مجتمعاتنا العربية… فهل هدفكم منع الناس من بحث المشاكل التي يعانونها من جراء سياسات غير مدروسة؟ أم أن هذا تبرير لإسكات كل صوت يعرّي فشلكم، أو يكشف التلاعب والسرقات التي أزكمت الأنوف؟

إلى جمعية الشفافية

يا جمعية الشفافية، أنتِ لستِ ملزمة بطلب المساعدة الرسمية، من أجل أداء واجبكِ الوطني في حماية المجتمع من الفاسدين المتحكمين بمفاصل الدولة المالية.
إنه لمن المضحك أن يشارك مسؤولون باحتفالكِ، بمناسبة مرور عشر سنوات على التأسيس، ويأخذون بتمجيد نشاطكِ، وفي اليوم التالي يصدرون قراراً بوقف نشاطك!
إنه لأمر عجيب وغريب!
إن استمراركِ في حملتكِ الشريفة لمحاربة الفساد سيحفز كل ذي ضمير حي محب للوطن على مؤازرتكِ في محاربة كل معتدٍ على أموال الشعب.
ألا يصدق فينا القول “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”؟!
فشّلتونا يا جماعة…
الله يهديكم ويعينا عليكم!

اعتذار!

في مقالة سابقة، تفاءلتُ بإمكانية التغيير في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأحسن، خصوصاً بعد تولي الشباب المسؤولية في بعض هذه الدول، وتوقعت أن تثمِّن المملكة فزعة هذه الدول لها في الحرب الدائرة في اليمن، وتدفعها لحل المشاكل الحدودية والنفطية مع جيرانها، نظراً لما حباها الله من نعمة النفط الزائد والمساحة الجغرافية الهائلة، إلا أن تفاؤلي لم يكن في محله، بعد أن أصبح هذا الصراع المعيب علناً بين الكويت والمملكة.
والله عيب! لكن المثل يقول: “فالج لا تعالج”.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *