سعيد محمد سعيد

مواطنون يقترضون… حتى الموت؟

لن يكون أمراً غريباً حين تستمع لمواطن وهو يقول مازحاً: «ما لي إلا القروض، كلما خلص قرض بجدّده. بقترض لين ما أموت»! وربما هذه المقولة الفكاهية تعكس نوعاً من الكوميديا السوداء، فعشرات الآلاف من المواطنين أصبحوا يعيشون على القروض التي تقصم ظهورهم حتى لو كرّروا مقولة :»القرض ذلٌ في النهار وهمٌ في الليل»، لكن الأوضاع المعيشية المتردية لشريحة كبيرة من المواطنين تجبرهم على تحمل المزيد من التردي المعيشي.

وليس الأمر محصوراً في الاقتراض لمواجهة ظروف ومتطلبات الحياة، أو لتجاوز وضع صعب! فهناك فئةٌ من المواطنين يثقلون كاهلهم بالمزيد من القروض التي تذهب هباءً في أمور استهلاكية ليست من الأولويات، وتؤثر على الإيفاء بالالتزامات وبمتطلبات أسرهم المعيشية، لكن من الواضح أن غالبية المواطنين المقترضين اتجهوا إلى المصارف تحت وقع أوضاع قاسية، حتى أن بعض الإحصاءات تُشير إلى أن حجم القروض الاستهلاكية الشخصية بلغت حتى شهر مارس/ آذار الماضي نحو 2.7 مليار دينار، والسبب الأول الذي يدفع المواطن إلى الاقتراض هو ضعف مستوى الدخل من جهة، وتقديم تسهيلات مغرية لتشجيع الناس على الاقتراض من جهة أخرى.

هناك مقولةٌ أخرى، مؤسفةٌ لكنها حقيقة، وهي أنك «لست بحرينياً إن لم تكن على ظهرك أثقال القروض»! حسناً، لنتحدث بشكل موجز عن انعكاسات التأثير السلبي لأثقال القروض على المواطن، ثم لنتساءل بعد ذلك عمّا يمكن طرحه من حلول لهذه الظاهرة.

فيما يتعلق بتنامي ظاهرة القروض الاستهلاكية وانعكاساتها السلبية على معيشة المواطن، فإن هناك الكثير من الأسر التي يجد عائلوها أنفسهم في دوامة الضيق وقلة الحيلة. فالمواطن الذي يتراوح راتبه بين 500 إلى 1000 دينار، يعجز عن تلبية المتطلبات الأساسية في كثير من الأحيان، بسبب تفرّع الأقساط للبنوك والإسكان، أو الإيجار والسيارة، مضافاً إليها كلفة تعليم وعلاج أفراد الأسرة. وبلا شك، فإن تدني الأجور بالنسبة لذوي الدخل المحدود يضاعف المشكلة في ظل عدم وجود موارد أخرى للدخل.

هناك العديد من البحرينيين، موظفين وموظفات في القطاع الحكومي، ومنهم في القطاع الخاص بدرجةٍ أكبر أيضاً، يزاولون حرفاً مختلفة لزيادة دخلهم الشهري، منها البيع في الأسواق الشعبية، صيد السمك، مواصلات المشاوير الخاصة، والبعض يعمل في المنزل مع زوجته وعياله في أنشطة مختلفة كتحضير وبيع الأطعمة، الحرف اليدوية، الكهرباء والسباكة. بالطبع، العمل ليس عيباً، والسعي والكد على العيال بالمال الحلال أمر محمود، وهذا هو شأن البحرينيين… يكسبون رزقهم بعرق جبينهم ولا حاجة الناس.

ما هو الحل؟ أليست هناك إمكانية إطلاقاً لزيادة أجور البحرينيين العاملين في القطاعين العام والخاص؟ ووفق المؤشرات المتدنية لأسعار النفط والتلويح بالضرائب، هل ستزداد الأوضاع سوءاً؟

لقد بحث مجلس النواب على مدى السنوات الماضية مشروع قانون بإنشاء صندوق لمعالجة أوضاع المدينين الذي يثبت إعسارهم قضائياً في سداد قروض استهلاكية، ووقع المقترح بين رأيين: رأي يرى أنه يخالف الدستور، ورأي يراه متوافقاً مع الدستور من ناحية تكفّل الحكومة بالمعسرين. ولربما كان هناك رأي ثالث يرى ضرورة عدم تشجيع المواطنين على الاقتراض. وحتى من يطرح فكرة «إسقاط القروض عن المواطنين» فإنه يتحدّث عن فكرة «خاطئة» و»غير قابلة للتطبيق»، وأن المشكلة في «هَوَس» الكثير من المواطنين بالاقتراض حسب رأيه.

أول منطلقات الحل، هي القيام بدراسة حقيقية وواقعية لمستوى الأجور في القطاعين العام والخاص، وابتكار البرامج – من جانب الحكومة – للارتقاء بالأجور. وفي البحرين، لدينا كفاءات وخبراء في الاقتصاد يمكن للحكومة أن تستعين بهم لوضع تصورات المستقبل على أن تكون «الأسرة البحرينية» هي المستهدف لحمايتها من قبضات الديون.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *