د.فرح عبدالحميد صادق

هلكوني كرتوني!

تزايد مؤخرا اعتماد العديد من الشهادات العلمية من بعض الجامعات الوهمية او ما يسمى بـ«الشهادات الكرتونية» حيث تزايد سوق الطلب على ما لذ وطاب من تلك الشهادات والمسميات المغرية لبعض أصحاب النفوس الضعيفة والكسولة، وقد لوحظ مؤخرا انها انتشرت سريعا في كثير من قطاعات ومؤسسات الدولة محدثة الكثير من الضجة!

عندما نبحث عن سبب بعض الصراعات والنزاعات القضائية بين أصحاب التخصصات في بعض الوزارات كوزارة الصحة مثلا، نجد انها قد تكون نتيجة مطالبات بعض هؤلاء مدعي العلم والثقافة المزيفة بأحقيتهم في مناصب لا يستحقونها فعلا، وبالواقع يستحقها غيرهم ممن جد واجتهد لسنين طويلة في سبيل الحصول على شهادة معتمدة او مركز يطمح اليه.

كما ان بعضهم قد اصبح يستغل ثغرات قوانين الخدمة المدنية احيانا والتي تعطي الأولوية للأقدم بالدرجة المالية وليس الدرجة العلمية للوصول الى منصب اشرافي لا يستحقه ولكن فقط ليرضي غروره وما يشعر به من نقص امام غيره ممن يتفوق عليه!

بشكل عام ارى ان اعتماد شهادات الكرتون من الجامعة الوهمية قد اصبح بمثابة ناقوس خطر على جميع الأصعدة، فتارة ترى بعضهم ضعيف الانتاجية والمستوى العلمي، وغاية طموحة هو مكتب فاخر يأوي اليه في اوقات قليلة من النهار.

نعم فبعض هؤلاء نعلم يقينا انهم ممن قد حصل سابقا على معدلات علمية ضعيفة جدا في المرحلة الثانوية لا تؤهله حتى لأن يفكر في الدخول لأقل الكليات ولكنه بقدرة قادر اصبح الآن محاميا او مهندسا او طبيبا او صيدلانيا.

ان مثل هؤلاء لهو دمار شامل اينما كانوا.

قد يهون الأمر حينما يتعلق ببعض الوظائف الادارية مثلا ولا يكتشف الخلل بسهولة، ولكن حينما يتعلق الأمر بأرواح البشر وفي مهن تتعلق بالصحة مثل الصيدلة او الطب الأمر يختلف.

نعم فقد رأينا البعض منهم يتهرب من أي نقاش علمي مثلا او قد لا يتقن حتى معنى المصطلحات العلمية الأساسية.

هل أصبحت ارواح البشر سلعة تباع وتشترى حينما قبلت الدولة الاعتراف بتلك الشهادات.

هم لم يكتفوا بمشاكلهم ونزاعاتهم وكل ما سبق بل قد ساهم بعضهم للاسف الشديد في تدمير حتى اخلاقيات المهنة، بل الاساءة لمهن انسانية لطالما خدمت البشرية بكل رقي واحترام وذلك بممارسات خاطئة تفتقر لأبسط آداب وأسس التعامل مع الزملاء او مع المرضى كذلك لم نعتد على رؤيتها قبل دخول مدعي العلم هؤلاء.

نعم فمن باع مبادئه لشراء شهادة وهمية فهو بنظري قد باع حينها كل ما لديه من قيم ومبادئ.

هل ستستمر الدولة يا ترى في اعتماد المزيد منهم والتسبب في المزيد من المعاناة والتخلف في مؤسسات الدولة؟

اعتقد اننا اكتفينا جدا بما رأينا، دعونا ندع عجلة التنمية تتحرك للامام قليلا وليس للخلف، ولنحافظ على ما تبقى لدينا من احترام للعلم وللشهادة الحقيقية من معنى وقيم سامية، فقد «هلكوني كرتوني».

****

قد تشرفت وسعدت بانضمامي الى باقة كتاب جريدة «الأنباء» الكويتية، واتمنى ان اوفق في ايصال آرائي وافكاري المتواضعة حول ما يدور بالساحة الكويتية من مستجدات سواء على الصعيد الصحي او الاجتماعي او السياسي، سائلة الله تعالى التوفيق وان تنال اعجابكم وان نقدم كل ما يفيد في بناء وإصلاح هذا الوطن العزيز.. ودمتم بخير.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د.فرح عبدالحميد صادق

دكتورة صيدلانية ، عضو الجمعية الصيدلية الكويتية ، كاتبة وناشطة بحقوق المرأة
twitter: @farahh78

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *