فؤاد الهاشم

لماذا تجاهلنا أمنا الأرض؟

زرت جزيرة من جزر الفلبين، التي يبلغ عددها حوالي عشرة آلاف، المأهولة بالسكان فقط عددها لا يتجاوز الثلاثين جزيرة، والبقية تسكنها الطيور والزواحف وتمتلئ بالأشجار من كل نوع وشكل زائد شلالات المياه العذبة والأنهار الرقراقة! المسافة بين العاصمة مانيلا وهذه البقعة الجميلة حوالي ساعة وربع الساعة بالطائرة ذات أربع مراوح تهبط على مدرج رملي لا يبعد كثيرا عن شاطئ البحر، وبالطبع، لن تجد سيارة تاكسي بانتظارك لأنهم لا يستخدمونها هناك، بل سيأخذك الدليل، محمولا على ظهر حمار أو جاموسة أنت وحقيبتك، لمسافة تقل عن الكيلومتر حيث، الفندق والقرية مع سكانها!!


كل شيء في هذا المكان مصنوع من جذوع الأشجار التي تمتلئ بها الجزيرة، الأكواخ، والفندق الصغير ذي الطابقين، والأرضيات وكذلك مكتب الاستقبال، وحتى باب الفندق الرئيسي، وأحواض الزهور في داخله وخارجه، وبالطبع، ستجد سريرك مصنوع من المادة نفسها، وكذلك «التسريحة» التي علقت فوقها مرآة صغيرة بالكاد تستطيع أن ترى فيها وجهك كاملا!
أكواخ سكان القرية مصنوعة من هذا الخشب وكذلك عرباتهم التي تجرها الحمير والجواميس، وأيضا عجلات هذه العربات، وهم يستخدمون رماحا خشبية لصيد الأسماك والحيوانات البرية من أرانب وخنازير وضبيان! لا يوجد تلفزيون في غرفتك، ولا حتي في «لوبي- الفندق» لأن المكان مخصص للهدوء والكهرباء لا توجد إلا في الفندق ومن مولد صغير يعمل من السادسة مساء وحتى العاشرة فقط، وبعدها إما الاستعانة بضوء القمر -إن كان موجودا- أو بضوء الشموع الخافت، أو بشراء مصباح يد يعمل بالبطارية من محل يملكه ابن صاحب الفندق في هذه الجزيرة!
الهدوء عجيب داخل الغرفة ولا تسمع، أحيانا، إلا صوت الرياح أو أمواج البحر مصحوبة بتلك «التكتكة» لأخشاب الفندق وكأنها «تتثاءب» أو «تتمغط»! زعيم القبيلة في الجزيرة قال لنا إن «أمنا – الأرض» هي التي أعطتنا كل شيء، من مواد بناء منازلنا إلى غذائنا البحري والبري، إلى السماء التي تسقينا من مياه أمطارها العذبة، واستغربنا كثيرا من طول أعمار عجائزهم التي تكاد تصل إلى المائة، ومع ذلك، فلديهم طاقة عجيبة، بل إن بعضهم مازال مستمرا في رحلات صيد السمك!. تذكرت طقسنا في الكويت والرخام الذي يكاد ينخلع من على المنازل من شدة الحرارة، والجدران الإسمنتية التي تتحول إلى رمال ناعمة بفعل عوامل التعرية هذه، كل ذلك، لأننا لم نأخذ من «أمنا –الأرض» مواد بناء منازلنا مثلما فعل شعب الجزيرة الفلبينية..تلك!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *