فؤاد الهاشم

لماذا.. يحبون «أبوعدي»؟!

أثارت الكاتبة الجزائرية «أحلام مستغانمي» – بحديثها عن .. «حبها لصدام حسين ورغبتها في زيارة قبره والاعتذار منه على عملية شنقه صباح يوم عيد الأضحى»- سؤالا قديما يدور في رأسي منذ حوالي 24 عاما وتحديدا منذ الثاني من آب 1990 حين اجتازت جنازير الدبابة العراقية حدود دولة الكويت واحتلتها في أقل من ثلاث .. ساعات!! السؤال هو: لماذا حصل «القائد المناضل والزعيم المهيب حارس البوابة الشرقية ورافع راية حزب البعث القائد» على كل هذا الحب من الشعب الفلسطيني وقيادته ومن الشعب التونسي وقيادته ومن الشعب الجزائري وقيادته ومن الشعب السوداني وقيادته ومن الشعب الموريتاني وقيادته و..حتى الشعب المغربي ومليكه الراحل الحسن الثاني الذي لم يقلها صراحة لكنه أعلن أن «إرسال قوات مغربية إلى الخليج إنما الهدف منها حماية المملكة العربية السعودية وليس من أجل أمر .. آخر»!! والأمر الآخر .. المقصود هو «تحرير الكويت»!! كنت واقفا أمام بوابة فندق «أبو النواس» بوسط العاصمة التونسية -وهو فندق مملوك بالكامل للهيئة العامة للاستثمار التابعة لحكومة دولة الكويت وجزء صغير من استثمارات بـ«الهبل» داخل ذلك البلد الذي يعج بالإخوان والبعثيين في خلطة عجيبة- منتظرا سيارة السفارة الكويتية هناك تلبية لدعوة على الغداء تلقيتها من الدبلوماسيين العاملين فيها! الفندق «الكويتي» يعج بضباط المخابرات العراقية الذين يمكن لك أن ترى أسلحتهم واضحة بمجرد أن ينسي أحدهم اغلاق «زراير جاكيت بدلته»!! وفود عراقية من كل الأشكال «سيماهم على وجوههم» الشوارب الكثة والكروش المتدلية المليئة «بالعرق المسيح المخلوط مع الكباب والتكة البصراوية» كانوا يتحدثون ويضحكون بصوت عال كرهت لهجتهم ومفرداتها ومخارجها ومداخلها.


صار حالي مثل حال عدد من نواب الكنيست الإسرائيلي عندما غادروا قاعة البرلمان بعد أن دعيت انجيلا ميركل -المستشارة الألمانية- لإلقاء خطاب أمامهم وبرروا فعلتهم تلك بأنهم «لا يطيقون سماع اللغة الألمانية لأنها مرتبطة وتذكرهم بذات اللغة التى خاطب بها ضباط الجستابو ضحاياهم من اليهود في معسكرات الاعتقال»!! نعم صدام حسين لم يجعلني أكره فعلته بغزو بلدي بل أجبرني حتى على كراهية .. لهجته!! إذن! نعود إلى السؤال الأصلي : «لماذا يحبونه»؟! أثناء انتظاري لسيارة السفارة -وبعد ابتعادي عن مدخل الفندق واقترابي من الشارع الرئيسي- اقتربت مني إمرأة ثلاثينية ظهر واضحا من شكلها و«مكياجها» أنها من اللواتي ينطبق عليها المثل الأميركي: «الطائر الذي يخرج مبكرا يصطاد .. الديدان»! كانت من النوع الذي يصطاد «الدود».. نهارا لتمارس أقدم مهنة في التاريخ .. معهم! يبدو إن «شواربي الكثة» – الشبيهة بشوارب البعثيين- دفعتها للابتسام تجاهي لتسألني: «انت .. عراقي»؟ ما إن قلت لها «لأ .. أنا كويتي» حتى أحنت رأسها باتجاه الأرض و.. بصقت!! في تلك اللحظة وصلت سيارة السفارة، ركبتها في هدوء مسترجعا موقفا مشابها اتخذه الأدباء والمفكرون العرب -ومن بينهم الدكتور «عبدالعزيز المقالح» الأديب والشاعر ورئيس جامعة صنعاء حين وقف الموقف ذاته مع «صدام حسين» وفعلته! و .. باركها!!
المفارقة التي أجبرتني على الابتسام أن مواقف صفوة العقل العربي اتحدت وتطابقت مع رأي من تمارس أقدم مهنة في .. التاريخ وتخرج مبكرا لاصطياد .. الديدان! كان زمن الليل العربي الطويل الذي ابتدأ في الثاني من آب 1990 واستمر إلى يومنا هذا!! «لماذا يحبونه»؟! الكاتبة الجزائرية «أحلام مستغانمي» و«عبد العزيز المقالح» و«الغنوشي» و«عباس مدني» و.. و.. أخيرا وليس آخرا .. تلك المومس التونسية التي بصقت لذكر اسم بلد عربي تعرض لاحتلال وبطش من جاره العربي سأفترض إنهم يحبونة لأنه .. «حارب شيعة إيران» لكنهم نسوا -أوتناسوا- أن نصف الشعب العراقي من .. الشيعة!! سأفترض إنهم يحبونه لأنه «سني» لكنه احتل وبطش بجيرانه من أهل الكويت وسبعة أعشارهم من .. «السنة» بل إنه فتك وبطش وهتك بكل مكونات شعبه ولم يستثن أحدا الأكراد السنة والأكراد الشيعة والعرب السنة والعرب الشيعة والنصارى والأيزيدية والآشورية .. إلى آخره!! بل بطش حتى بـ«خال أولاده وشقيق زوجته» ووزير دفاعه «عدنان خيرالله طلفاح» فعن أي بشر يتحدثون؟ وعن أي قائد يتكلمون؟ وعن أي زعيم .. يحبون؟! في الثاني من آب 1990 -بداية الزمن العربي الأغبر الذي تساوى فيه عقل المفكر والأخوانجي والمومس!!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *