فؤاد الهاشم

ذهب فاروق وجاء فواريق!

انتهيت، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، من قراءة كتاب أحضره لي أحد الأصدقاء من مكتبة «مدبولي» في القاهرة. روى مؤلف الكتاب حكاية بنت سمراء اسمها «تحية كاريوكا»! لماذا أقرأ كتابا عن راقصة شرقية؟!
لأني من النوع الذي يقرأ كل شيء مثلما «أستطعم» مذاق أي أكل يقدم لي فـي أي مكان فـي العالم. حتى لو كان هذا الأكل.. ذيل تمـساح!


في أثناء سنواتي العشر الأولى، من طفولتي السعيدة، كنت أنحني من أجل التقاط أي ورقة ملقية في الشارع لأقرأ ما فيها حتى ولو كانت بقايا كيس إسمنت. فأقرأ اسم المنتج وتاريخ الصنع ومكانه!
القراءة شيء جميل ولا يمكن للإنسان «العاقل» أن «يتأفف» منه، مثلما نشعر بالضيق من أحد أطفالنا، أو حتى كبارنا، حين يجلس على مائدة الطعام فيقول: «لا أحب هذه الفاصوليا ولا أطيق هذه البزاليا، ولا أرغب في تلك البطاطس» و.. وهكذا!
المهم، يتحدث المؤلف عن هذه الفتاة الصغيرة التي تحولت، بعد سنوات، إلى «تحية كاريوكا» ملكة الرقص الشرقي في العالم العربي.
كاريوكا لم تكن مجرد راقصة ذات جسد جميل ورأس فارغ. انضمت هذه الراقصة الشابة إلى الحزب الشيوعي المصري، قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 واستمرت لما بعد ذلك.
أدخلها «الضباط الأحرار» السجن بعد أن وصفتهم قائلة: «لقد ذهب الملك فاروق وجاء إلى الحكم.. فواريق»!
كانت كاريوكا تعرف ما تقوله عندما اشارت للفواريق إلى 11 ضابطا هم أعضاء مجلس قيادة الثورة. سيطر هؤلاء الضباط على مقاليد السلطة في مصر لتختفي الأحزاب وحرية الصحافة والديمقراطية ويهبطوا بالجنيه المصري إلى الحضيض.
انتشرت المعتقلات والسجون وسياسة تكميم الأفواه. ثم ليكون «ختامها مسكا» في الخامس من يونيو عام 1967 عندما «تحطمت الطائرات المصرية عند الفجر وهي على مدارجها». ضيع الفواريق كل سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان. حتى قرية لبنانية صغيرة اسمها «شبعا» لم تنج. وبدأ ظلام الليل العربي الطويل إلى يومنا.. هذا! كانت الراحلة تحية كاريوكا ذات لسان لاذع بالسخرية.
حدث ذات مرة في عهد الملكية، أن دعيت للرقص في قصر أحد الباشوات، وعند دخولها، اصطدمت، دون قصد، بأحد المدعوين، فنهرته قائلة: »مش تفتح.. يا أعمى»؟ أمسك بذراعها أحد المدعوين وقال لها وهو يرتعش من الخوف: «ده فلان الفلاني، وجده.. باشا». صرخت بوجهه قائلة بصوت أسمع كل المتواجدين في الحفل: «طز وإيه يعني؟ أنا كمان جدي كان.. بواب»!
في أواخر أيامها، اتجهت إلى أعمال الخير، فكانت ترعى المساكين والفقراء.
تبنت طفلة لقيطة أطلقت عليها اسم «عطية الله» لأنها اعتبرتها عطية من الباري لها لتحصل على المزيد من الأجر والثواب! رحمها الله رحمة واسعة وغفر لها ذنوبها!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *