فؤاد الهاشم

ساعة مع «الرتقاء» و ..«القرناء»!

بعيدا عن السياسة، وعودة إلى تذكر أيام الدراسة والتلمذة وشقاوة الشباب في «المعهد الديني» لنجلب بعض أحداثها القديمة والجميلة ونوادر شيوخ الأزهر الأجلاء الذين كانوا يعطوننا الدين الإسلامي بعيدا عن «التمذهب والتشرب» بالطائفية والحزبية على غرار ما يفعله «المستشيخون» هذه الأيام ممن تطول لحاهم وتقصر..مداركم! طلاب الثانوية العادية يتخصصون في العلمي أو الأدبي أما نحن في المعهد الديني فلدينا ضعف هذا العدد من التخصصات إذ يختار الطالب ابتداء من الصف الثاني ثانوي «ديني» مذهبا واحدا ليتخصص به من المذاهب الأربعة وهي الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية وبالطبع ليس موجودا المذهب الخامس وهو «الجعفري» لأسباب لا تخفى عليكم جميعا!.


كنت شابا متعطشا للقراءة بنهم عن كل المذاهب ليس الأربعة فقط بل وحتى المذهب الخامس «الجعفري» ونظرا لأن وزارة التربية لا تعطينا كتبا للفقه الشيعي فقد كنت أشتريها من المكتبات وأقرأها رغبة في العلم بالشيء فلا أحد يلزمني بتقديم اختبار بما جاء فيها من شروط وأحكام وتفسيرات فقط لمجرد الرغبة في العلم .. والتعلم! المهم اخترت المذهب الشافعي واختار الأصدقاء في الفصل مذاهب أخرى ومن نوادر التقسيمات داخل المعهد أننا كأصدقاء في مرحلة دراسية واحدة وصف واحد نلتقي في كل الحصص إلا حصة الفقه إذ يذهب كل تلميذ إلى فصل المذهب الذي اختاره فالشافعي مع الشافعية والمالكي مع المالكية والحنبلي مع الحنابلة والحنفي مع «الحنفية» طلاب الثانوية أكثر حظا منا إذا يتم اختبارهم «تحريريا» آخر العام أما نحن طلبة العلوم الدينية والشرعية فالاختبارات التحريرية صباحا وبعد الظهر الاختبارات .الشفهية وهذه حكايتها حكاية! كان يتم تخصيص أربعة فصول لهذه الاختبارات الشفوية تلصق على باب كل منها اسم المذهب فهذا الباب عليه لافتة «الشافعيون» والثاني «الحنبليون» والثالث «المالكيون» والرابع «الحنفيون» وبداخل كل لجنة منها ثلاثة شيوخ أزهر أجلاء بالطربوش الأحمر والجبة الرمادية والعمامة البيضاء ثم يضعون كرسيا واحدا في مواجهتهم ويجلس عليه الطالب «الضحية» ممن سيعصرونه عصرا بالأسئلة الشرعية وليقرأ بعضا من آيات الذكر الحكيم بالقراءات السبع فإما أن يخرج منتصرا وناجحا أو يغادر..ملوما محسورا !

كان المنادي ينادي على أسمائنا وهو فراش سوري عمره من عمر سيدنا نوح مسبوقا بلقب «شيخ» فيقول : «الشيخ جاسم الفلاني _الحنبلي » أو ..«الشيخ فؤاد ..الشافعي» أو ..«الشيخ عبد الرزاق المالكي» ..وهكذا فيدخل كل «شيخ» على «شيوخه» فإما..«حياة تسر الصديق أو ممات يغيظ .. العدا»!! جاء دوري فدخلت وجلست وقد جف ريقي وانهمر عرقي رهبا من الاختبار وخوفا من قسوة فضيلة الشيخ «عبد المهيمن» وفضيلة الشيخ «عبد الودود» وفضيلة الشيخ «عبد المتجلي» طلبوا قراءة سورة بالتجويد فأجدت وقالوا «أحسنت ياشيخ فؤاد» وسألوني عن «الملائكة» فأجبت وأصبت فقالوا :«بارك الله فيك ياشيخ فؤاد» ثم جاء السؤال الثالث في فقه النكاح فسألني الشيخ «عبد المهيمن» : ماحكم الزواج بالمرأة ..الرتقاء والمرأة القرناء» ؟! ولمعلومات القارئ فإن «الرتقاء هي التي بها عيب خلقي في فرجها فصار مسدودا باللحم أما «القرناء» فمن كان مسدودا بعظم وبذلك يستحيل على الزوج وطئها وقد اختلف أهل المذاهب الأربعة والمذهب الجعفري كذلك في الوقوف على أمر واحد فمنهم من أعطى حق طلاقها لزوجها وبلا نفقة ومنهم من اعتبره عيبا يفسخ عقد زواجها ومنهم من رأى وجوب علاجها حتى تبرأ ..إلى أخره!

المهم أن أمر «الرتقاء» و«القرناء» اختلط بذهني فذكرت أحكاما «للحنابلة» بينما كنت شافعيا وفي غرفة الشافعية لكوني قد درست بتعمق وبشغف المذاهب الأربعة لكن رهبة الاختبار خلطت «عباس على ترباس» ما إن سمع المشايخ الثلاثة قولي هذا حتى ضحكوا وقال أوسطهم : «جرى إيه ياشيخ فؤاد؟! انت شافعي لو كنت تحب الحنابلة روح لهم أهم قاعدين في الأوضة اللي جنبنا»!! وصدق عميد الأدب العربي الراحل الدكتور «طه حسين» حينما قال «ساعة بالضحى بين .. العمائم واللحى » لكنها بالنسبة لي أربع سنوات بين شيوخ أجلاء ليس بينهم «سروري» أو «قطبي» او «جامي» أو «أخوانجي» أو ..«قرضاوي» »!!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *