سامي النصف

أيها العراقيون.. تاريخكم تاريخكم!

في ربيع عام 1920 شعر القادة العراقيون المصاحبون للملك فيصل الأول بعد توليه عرش سورية بأنه لا مكان لهم في دمشق ورأوا ان عودتهم للعراق مرتبطة بالثورة على الانجليز فيه، فتحركوا شرقا الى الرقة ودير الزور بقيادة جميل المدفعجي وميلاد مخلص فأشعلوا الثورة هناك وهزموا الحامية الانجليزية ثم واصلوا مسيرهم لمدينتي تلعفر والموصل، حيث قتلوا قادة الحاميات الانجليزية فيها امثال الكابتن ستيوارت والميجر بارلو وفي هذا يقول نائب حاكم العراق الانجليزي هالدين في مذكراته ويؤيده في ذلك د.علي الوردي ان ثورة العشرين المباركة في الفرات الاوسط بدأت عندما شعرت زعاماتها بأن هزيمة جيوش الانجليز على يد القبائل الصغيرة المتواجدة في الشمال والغرب تمهد لانتصار قبائل الوسط والجنوب كثيرة العدد قوية الشكيمة.

***

وقد انحدرت الثورة القادمة من الشمال الغربي الى العاصمة بغداد، حيث تآخى الشيعة والسنة في رمضان 1920 وبدأ تبادل الخطب الحماسية الداعية للوحدة الوطنية واستقلال العراق في المساجد والحسينيات وتوجهت مواكب الأعظمية الى الكاظمية لمشاركة أهلها العزاء وكان الموكب يهزج «ابوبكر وعمر حزنانين على الوصي حيدر، وملائكة السما وجبرائيل لاجله تكدر» وانتشرت مقولة ان ابا حنيفة كان تلميذا للإمام جعفر الصادق، وما ان حل وفد الكاظمية حتى خرج لاستقباله السوامرة والتكارتة وهم يهللون ويكبرون فيتعانق السيد والشيخ عناقا اخويا للتآخي والبعد عن الطائفية، وتمتلئ المساجد والحسينيات بعشرات الآلاف من ابناء الطائفتين للاستماع لأناشيد المولد النبوي السنية ومواكب العزاء الحسينية، وكان امر مماثل قد حدث في مصر قبل عام اي 1919 عندما تآخى الهلال والصليب في وحدة وطنية رائعة ضد المستعمر.

***

وبينما تلك الاحداث قائمة في بغداد كان الميرزا محمد رضا ابن السيد الشيرازي ناشطا في تسويق الثورة وبث الدعاية لها في اوساط عشائر الفرات الاوسط، كما كان مؤمنا بالقومية ووحدة العرب كما تظهر مراسلته آنذاك مع الملك فيصل في دمشق وشقيقيه، وقام الانجليز بإلقاء القبض على الميرزا محمد رضا ونفيه خارج العراق مما اثار ضجة كبرى خاصة بعد ان كتب شقيقه عبدالحسين رسائل لرؤساء العشائر يحثهم فيها على الثورة وإنقاذ شقيقه قائلا لهم على لسان والده «اليوم يومكم» فاجتمع بالمشخاب في 28/6/1920 الزعماء علوان الياسري وعبدالواحد سكر والسيد عبدالمحسن ابوطبيخ وصعد الى المنبر السيد محمد الباقر ليلقي قصيدة حماسية مما جاء فيها:

بني العرب لا تأمنوا للعدا مكرا

خذوا حذركم منهم فقد أخذوا الحذرا

فلا يخدعنكم لينهم وتذكروا

أضاليلهم في الهند والكذب في مصرا

وكانت بداية ثورة الفرات الاوسط الخالدة التي تم تسطير البطولات فيها وسالت دماء العراقيين الزكية أنهارا ليس على يد الأشقاء كما يحدث إبان الفتن هذه الايام بل ضد الأعداء.

***

آخر محطة:

(1) أيها العراقيون جميعا، ان كان تاريخكم الحديث يظهر وعيا سياسيا وذكاء حادا لدى الآباء والأجداد وهم محدودو الدراسة والثقافة ولم تنجح معهم كل خطط ومؤامرات الأعداء لتفريقهم، فكيف وصلتم الى ما وصلتم اليه هذه الايام من تفشي القتل والنحر بين جموعكم وهو ما يسعد ويسر أعداءكم ويغيظ ويحزن اخوانكم ويهدد بضياع وطنكم واستقلالكم وأراضيكم؟!

(2) إن أجدادكم من العلياء يرقبونكم ويتساءلون بحسرة: هل لأجل هذا ضحينا ودفعنا الدماء؟ كنا نحلم بعراق آمن مسالم، فهل فيما تفعلونه ببعضكم البعض ما يعزز ذلك العراق ام يمزقه؟! الجواب عندكم وضمن تاريخكم!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *