علي محمود خاجه

«بس شكل»

لا أخفي أبداً إعجابي بما قام به الشاب الأردني من انتحال لشخصية رجل دين متعدد المذاهب ولفترة زمنية ليست بقصيرة تمكن من خلالها من خداع مجاميع كبيرة من مسلمي المذهبين داخل الكويت، بل أعتقد أن هذا الشاب النصّاب جدير بأن تجسّد شخصيته في عمل فني أو روائي أو على الأقل محاولة إجراء لقاء مطول معه وبمقابل مادي، فما يملكه من معلومات في مسيرة خداعه جدير بأن يُروى.

فقد تمكن هذا الشاب من خداع شخصيات دينية كبيرة من المذهب الشيعي بتقديم نفسه كخطيب وسيد من ذوي العلم في الشؤون الدينية، وألقى عددا من المحاضرات في الحسينيات بالكويت، وهو ما تم تداوله عبر وسائل التواصل في الأيام الماضية، وتمكن أيضا من خداع وزارة الأوقاف كاملة ممثلة بقطاع المساجد لدرجة جعلتهم يعلنون خطبة جمعة مرتقبة لهذا النصّاب في أحد المساجد الكويتية التابعة لوزارة الأوقاف!! كما تمكن هذا النصاب الظريف من جمع 50 ألف دينار كويتي من المذهبين كتبرعات نقدية تلقاها منهم لثقتهم بشكل رجل الدين الماثل أمامهم.

على الرغم من إتقان هذا النصّاب دور رجل الدين، وطريقة الإلقاء وطرح المواضيع وهو محط إعجاب بالنسبة إلي، فإن ما استوقفني فعلا هو بداية حكاية النصب على مختلف الطوائف، فما الذي قدمه هذا النصاب في البداية كي يحظى بتلك المكانة لدى عدد من المذاهب الإسلامية في الكويت؟ لم يقدم شيئاً سوى الهيئة والمظهر الخارجي فقط لا غير، فارتدى العمامة وخدع شخصيات دينية شيعية كبيرة مكنته من اعتلاء المنابر الحسينية، وارتدى الدشداشة والبشت فتمكن من خداع وزارة الأوقاف وقطاع المساجد بأكمله، فلا الشيعة أجروا له اختبارات لمعرفة حصيلته المعرفية ولا السنّة كذلك.

وتمكن من خلال مظهره الخارجي من تقديم الدروس وإلقاء المحاضرات على المئات، بل من الممكن الآلاف من المذهبين داخل الكويت، رغم زيف شخصيته ورغم صرف ما جمعه من تبرعات على ملذاته المحرمة دينياً كما اعترف بذلك شخصيا.

وهو ما يفتح باب الحقيقة على مصراعيها وللجميع، كم شخصاً على شاكلة هذا النصّاب بنمط أو بآخر تزخر بهم مساجدنا وحسينياتنا وشاشاتنا التلفزيونية؟ وكم متديناً ظاهريا كيّف الدين وفق أهوائه ورغباته لنيل ما يريد في مختلف الاتجاهات ماديا أو اجتماعيا أو سياسيا؟

سلّم الكثير عقولهم لهذا النصّاب بحجة علمه بالدين، وكانوا على استعداد أن يتقبلوا كل ما يمليه عليهم النصّاب لأن هيئته الخارجية، التي لا تتطلب سوى أزياء معينة لا تتجاوز قيمتها الخمسين ديناراً، توحي بعلمه الديني.

هذا النصّاب ليس أول المتدينين ظاهريا ولن يكون الآخر، إلا أنه بالغ بعض الشيء وحاول توحيد الصف الشيعي السنّي الصوفي ونجح في ذلك بالاحتيال فقط، ولو لم يبالغ لاستمر في نصبه، بل من غير المستبعد أنه كان سيصبح مستقبلا من كبار علماء مذهب معين.

تفكروا قليلا واستوعبوا بأنكم مكّنتم كل شخص من أن يخادعكم بقفطان الدين، واجعلوا العقول هي ما يحكم لا الشكل، ولا تكرروا مثل “الناس مخابر مو مناظر” وأنتم لا تعيرون معناه أي اهتمام.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

علي محمود خاجه

email: [email protected]
twitter: @alikhajah

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *