إبراهيم المليفي

الشريك

أعتقد أن “الجماعة” تجاوزوا مرحلة بالونات الاختبار في المسائل الكبرى، مثل “رفع الدعوم” وإشراك المواطنين في تحمل أعباء سياسات خاطئة لم يكن لهم دور فيها، لأن رهانهم قائم على سببين: الأول هو “الصمت الشعبي المضمون”، والثاني هو عالمية أزمة انخفاض أسعار النفط.
في الرهان الأول اختبروا صمت الناس المنشغلين بحروبهم الطائفية وتصفية حساباتهم العنصرية، ووجدوا التأييد والالتفاف والدعم والسمع والطاعة، وفي الرهان الثاني استعملوا مسطرة خاطئة لقياس الإجراءات التقشفية في بلدان تفتقر إلى خصوصية “الرأي الآخر”، وتجاهلوا حالة اليونان وما جرى فيها من تصدع كاد يودي بوحدة الاتحاد الأوروبي.
من المؤكد أن هناك حالة انفصال أزلية بين تفكير “الجماعة” وأحوال الناس البسطاء، ومن المؤكد أيضاً، قياساً إلى الطريقة التي تدار بها الأمور، أننا نتعامل مع قرارات ارتجالية وردود أفعال تخلو من الخبرة والتمرس في فهم المشاكل واستيعابها ووضع الحلول السريعة لها، والأنكى أن الجهاز الإداري الضخم يقف حجر عثرة في وصول القرار من الأعلى إلى الأسفل، لأنه جهاز مقطع الأوصال ومشبع بقيادات “المحاصصة” وضرورات حفظ “التوازن”.
هذه الحالة “الانفصالية” التي تتكرر في كتب التاريخ القديم والوسيط والحديث، تقود نفسها وبقوتها الذاتية نحو التصادم مع الجماهير، لأنها لا تفهمهم، وعاجزة عن فهمهم، وفي أسوأ الأحوال لا تريد ذلك، يطلبون منا البدء بالنفس وهم ما زالوا ممسكين بالنفيس!
تفكير “الجماعة” وهي كيان ضاغط يصنع القرار ولا يوقع عليه، لا يعلم أن إشراك الناس في تحمل الأعباء يعني إشراكهم في الحكم والقرار بصورة أعمق من انتخاب ممثلين عنهم في البرلمان، ونقلهم من مرحلة المواطن الذي يتذمر في أوقات الفراغ إلى الشريك المزعج الذي يملك حق الوصول إلى دفاتر الأرقام، وطلب التصويب لتغيير مجلس الإدارة.
هكذا يجب أن تفهم القضية، رسوم أو تخفيض دعوم يعنيان مواطناً مختلفاً ومحاسبة يقظة دقيقة من شريحة وحدتها سياسة “الجماعة”، والملفات العالقة منذ زمن لا ينفع معها علاج أمني أو نفحة كرم.
في الختام، هناك أزمة ثقة حقيقية وطاقم عمل يحتاج إلى الاستبدال بطاقم آخر يعرف كيف يقنع الناس بالأزمة وحلولها، وكيف يؤسس لسياسات ترشيد دائمة تبدأ من رأس الجهاز الإداري إلى القاعدة لا العكس.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *