عبدالله النيباري

إلغاء مرسوم «مكافحة الفساد»… ألا ينطبق على قانون الصوت الواحد؟!

حكم المحكمة الدستورية، بإلغاء المرسوم بقانون بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، الذي وجد صدىً واسعاً، رغم الشعور العام الجارف، بضرورة مكافحة الفساد، الذي انتشر بشكل متوحش، من شأنه زعزعة استقرار المجتمع وأمنه، وتقويض مؤسسات الدولة، والمساس بسيادة القانون فيها، والمساعدة على انتهاك حقوق الإنسان، وفق ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمرسوم المقدم من الحكومة، كما أثار أيضاً ملاحظات وجدلاً في الدواوين، تتمحور حول التساؤل: “ألا ينطبق ذلك على مرسوم قانون الصوت الواحد، الذي سبق أن أقرَّته المحكمة الدستورية؟!”.
وفي رأي المتابعين، أن هذا القرار يتناقض مع قرارات سابقة للمحكمة الدستورية، وهذا الالتباس يخلق مجالاً للجدل والانتقاد.
لم يكن قرار إلغاء قانون هيئة مكافحة الفساد هو الوحيد، فهناك قرارات عديدة للمحكمة الدستورية، بشأن استخدام حالة الضرورة، التي نصَّت عليها المادة “71” من الدستور، فقد رفضت الطعن المقدم من الحكومة بقانون رقم 42 لسنة 2006، المعروف بنظام الخمس دوائر وعشرة نواب لكل دائرة، وحق الناخب في أربعة أصوات، ورفضها المرسوم بقانون الخاص بإنشاء اللجنة الوطنية للانتخابات، وما أدى إليه من إبطال انتخابات المجلس الأول للصوت الواحد.
قرارات المحكمة الدستورية استندت فيها إلى التفسير الصحيح للمادة “71” من الدستور، وحالة الضرورة في كل هذه الأحكام، إلا أن هذه الرخصة الاستثنائية لإصدار مراسيم لها صفة القانون، لها حدود ضيقة تفرضها طبيعة الدستور، وإنه وإن جاز للسلطة التنفيذية، استثناء من الأصل، إصدار مراسيم لها قوة القانون وفق المادة “71”، إلا أن مناط هذه الرخصة الاستثنائية، إما أن تقتضيها ظروف ملحة حدثت في غياب مجلس الأمة أثناء عطلته أو بين الانتخابات، أو كان توخياً لخطر تقدر ضرورة رده، باعتبار أن الرخصة إنما شرعت لهذه الأغراض، وليس لاتخاذها وسيلة لاستيلاء السلطة التنفيذية على سلطة التشريع، المقررة لمجلس الأمة، بصفته السلطة التشريعية، وفقاً لما تقتضيه المادة “52” من الدستور، التي تنص على: “لا يصدر قانون إلا إذا وافق عليه مجلس الأمة وصدَّق عليه الأمير”.
ولا يجوز استخدام حالة الضرورة كرخصة استثنائية، ورقابة المحكمة الدستورية في هذا الشأن تأتي لضمان ألا تتحول هذه الرخصة إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها، ولا عاصم من جموحها (حكم المحكمة الدستورية في إلغاء هيئة الفساد)، من ذلك تقرر المحكمة أن استخدام حالة الضرورة بموجب المادة “71” لها حدود ضيقة لا يجوز التوسع فيها، بما يؤدي إلى الاستيلاء على سلطة التشريع.
ورأت المحكمة عدم توافر حالة الضرورة في مرسوم إنشاء لجنة الانتخابات، كما في هيئة مكافحة الفساد، وأيضاً في رفضها الطعن المقدم من الحكومة بالقانون “42” لسنة 2006، كما أكدت أن إقرار مجلس الأمة القوانين بمراسيم لا يحصنها، “ولا صحة من القول إن إقرار المجلس لها من شأنه أن يحصنها من الطعن بعدم دستوريتها”.
بناءً على ذلك، يُثار تساؤل عن مدى انطباق قرارات المحكمة الدستورية بإبطال مراسيم بقوانين إنشاء “اللجنة العليا للانتخابات” والهيئة العامة لمكافحة الفساد، ورفض الطعن المقدم من الحكومة، لإعطائها رخصة تعديل قانون الخمس دوائر بعشرة نواب، وحق الناخب في اختيار أربعة، على قانون الصوت الواحد.
وإذا كانت الحجة هي عدم اجتماع مجلس 2009 بعد حل مجلس الأمة المنتخب في ديسمبر 2012، إذن ألم يكن الخيار الأفضل حل المجلس وإعادة الانتخابات؟
ونذكّر هنا بموقف الأمير الراحل عبدالله السالم في أزمة 1964، عندما انسحب أعضاء الأغلبية الموالية، آنذاك، للشيخ جابر العلي، لإفقاد النصاب ومنع الوزارة من أداء اليمين الدستورية، وهي حالة مشابهة لامتناع الأعضاء عن حضور الجلسات، وكان الخيار أمامه، إما حل المجلس وإما تغيير الحكومة، فاختار حل الحكومة وتغييرها، باعتباره الأقرب للتمسك بالدستور.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *