عبدالله النيباري

دول «أوبك» تحارب نفسها

فشل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في التوافق على قرارات لمعالجة الوضع الناشئ عن تدهور الأسعار يعني أن هذه الدول تحارب نفسها، فانخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون 40 دولاراً له نتائج كارثية على الجميع، فهذه الدول تعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط في موازناتها، وبعضها يعتمد بشكل كلي.
في الأزمات السابقة، الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، تلجأ هذه الدول إلى السلاح الوحيد لحماية مصالحها بالسيطرة على أسعار النفط، وهذا ما فعلته في عقد الثمانينيات، وفي عام 1998 تم تخفيض الإنتاج مرتين، وكذلك في عامي 2008 و2009 عندما هبطت الأسعار إلى مستوى 35 دولارا للبرميل.

عدم اتفاق

في المؤتمر الأخير لمنظمة أوبك لم يكن عدم الاتفاق على تخفيض الإنتاج وسحب الفائض من السوق فقط، بل حتى عدم الاتفاق على سقف إنتاج “أوبك”، وحصة كل دولة، وهذا سيؤدي إلى تسابق في الإنتاج، خصوصا إيران والعراق، الساعيين إلى الوصول لمستويات إنتاج ما قبل أزمات تعطل الإنتاج، فإيران كان إنتاجها يتراوح بين 4 و5 ملايين برميل، والعراق كان يطمح إلى هذا المستوى، وعدم التوصل إلى تحديد سقف لإنتاج دول “أوبك”، الذي كان عند 30 مليون برميل يوميا يعني تفاقم التخمة النفطية، وهي السبب الأساسي لانخفاض الأسعار، وهي بمستواها الحالي تعد من حيث القيمة الفعلية أقل مما كانت عليه في الثمانينيات.

فشل أكيد

الإصرار على المحافظة على حصة كل دولة في سوق النفط أثبت فشله، إذ لم يؤد إلى إزاحة إنتاج النفط الصخري المتسبب في التخمة النفطية عندما وصل حجم إنتاجه إلى 5 ملايين برميل يوميا عام 2014، ورفع مستوى إنتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى ما يقارب 15 مليون برميل يوميا، أدى إلى انخفاض استيراد الولايات المتحدة بمقدار هذه الزيادة، والتخمة الحالية في أسواق النفط تقدر بنحو مليوني برميل.
في حين أن المراهنة على تقليص إنتاج النفوط عالية الكلفة، مثل النفط الصخري بالولايات المتحدة، والنفط المستخرج من الرمال بكندا، لم تنجح، فالانخفاض في إنتاج النفط الصخري لم يتجاوز 300 ألف برميل.
وتشير التقديرات إلى أن النفط الصخري سيقاوم حتى عند سعر 30 دولارا للبرميل أو أقل، وذلك بفضل التطورات النفطية المؤدية إلى خفض التكاليف.

حجم الخسائر

الآن ما هو أثر تدهور الأسعار على ميزانيات “أوبك”؟
إنتاج دول “أوبك” يتراوح بين 30 و32 مليون برميل يوميا، أي حوالي ثلث إنتاج العالم وصادراتها، وهي مصدر الدخل الأساسي في ميزانياتها بواقع 25 مليون برميل يوميا بلغت قيمتها في 2012 (1615) مليار دولار، و1581 مليارا عام 2013.
الآن بعد مرور 18 شهراً على مسلسل انخفاض الأسعار بنحو 50-60 في المئة، يعني أن عائدات هذه الدول سينخفض إلى أقل من نصف ما كانت عليه، وجميعها ستواجه عجزا في موازناتها، وإذا كانت دول “أوبك” تصدر 25 مليون برميل يوميا، فهذا يعني أن انخفاض السعر بمقدار 15 دولارا يكبدها خسارة 250 مليون دولار يوميا، وإذا كان متوسط الأسعار بعد الانخفاض حتى الشهر الماضي تحت 60 دولارا فستكون خسارة دول “أوبك” على النحو التالي:
1500 مليون دولار يومياً
450 مليار دولار شهرياً
540 مليار دولار سنوياً
595 مليار دولار لـ 18 شهراً
أكبر الخاسرين هم أكبر المنتجين مثل المملكة العربية السعودية والكويت وأبوظبي، المملكة السعودية بلغ دخلها من صادرات النفط 336 مليار دولار عام 2012، و321 ملياراً عام 2013، وهذا يعني أن دخلها من صادرات النفط سينخفض إلى أقل من 170 مليار دولار مقابل المصاريف المقدرة في ميزانيتها للعام الحالي بمبلغ 282 ملياراً، وهذا يمكن أن يؤدي إلى عجز تقديره يبلغ حوالي 170 مليار دولار.

الوضع بالكويت

وإذا عدنا إلى الكويت فإن العجز سيكون، وفق تقدير تقرير “الشال” الاقتصادي عند 5 مليارات دينار على أساس متوسط سعر البرميل 51 دولاراً، وسيكون أكثر من ذلك إذا استمر الهبوط إلى خانة 30-40 دولاراً.
إذا كانت التخمة النفطية المسببة لانخفاض الأسعار هي مليونا برميل يوميا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن من الأفضل تخفيض “أوبك” إنتاجها بهذا المقدار وقيمته عند سعر 100 دولار، تبلغ 72 ملياراً، وعند سعر 80 دولاراً تكون الخسارة 58 مليوناً، وهو أقل من الخسائر الفعلية التي تكبدتها وستتكبدها دول “أوبك” المقدرة بمبلغ 540 مليار دولار في السنة، مع الاحتفاظ بحوالي 730 مليون برميل في مخزون الاحتياطي النفطي، لأنه لم يتم إنتاجها؟؟
فهل العناد على عدم تخفيض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يعود إلى أسباب غير اقتصادية؟

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *