محمد الوشيحي

وبكينا تسع مراتٍ معاً…

حتى اللحظة، لم أرَ هياماً يعادل هيام الزميل صالح الشايجي بحروف الجر، إلا هيام الزميل سعود العنزي بالتكنولوجيا والإنترنت وبقية أدوات الشيطان… ويجلس سعود، مساعد مدير هذا الجورنال، وفي يده اليمنى جهاز، وفي اليسرى جهاز، وفي حضنه جهازان، وهو الوحيد الذي تتوالد أجهزة اتصالاته كما تتوالد القطط، وهو الوحيد الذي تتحكحك أجهزته على قدميه، وكلها أجهزة لم نرَ مثلها من قبل، مصنوعة من معدن اللعنة، في جزيرة البؤس، كانت على وشك أن تصبح أفراناً، فسخطها الله إلى موبايلات، فجمعها سعود، فأطعمها وسقاها، ومسح على ظهورها وبطونها وجنوبها، وكلما نزل جهاز جديد إلى السوق احتضنه سعود وسقطت دمعة عاشق على خده، وقبّله، وأطفأ الأضواء، ودخل معه في خلوة شرعية، وبالرفاء والبنين.

وأنا رجل يخشى الذهاب مع التكنولوجيا بمفرده، خصوصاً في الظلام، ولا بد من حضور ولي أمري، وولي أمري في التكنولوجيا هو سعود العصفور، وأجزم أن سعود العصفور كرهَ التكنولوجيا والموبايلات بسببي، ولعن شركة آبل، وقدّم أوراقه للهجرة، وكم من واحد ظن بي الظن الحسن، وكنت في جلسة تجمعني وشباناً، فقال أحدهم: “كنت أظنك من محترفي الإنترنت، لكنني سأتراجع عن ظني بعد أن رأيتك تتسول المارة وعابري السبيل ليسعفوك في كل فاصلة ونقطة”، ولشدة فرحي بحسن ظنه بكيت، وقبّلت رأسه، ودعوته إلى غداء، فرفض، فألححت، فرفض، فصفعته…
ويأتي سعود العنزي فيعبث في الموقع الإلكتروني لهذا الجورنال، فتتعقد الأمور علي، وتتلبك أمعائي، فأعجز عن فتح الصفحة، فأقلب بالآيباد وأدلدله من رجليه، علّني ولعلني، فتتعقد الأمور أكثر، فتغرورق عيناي بالدموع، وأتمتم بكلمات كفيلة بسحب رصيدي من الحسنات كله، وتحويلها مباشرة إلى رصيد سعود، وأرفع الآيباد بيني وبين الشمس، لأرى ما في داخله، وأواصل التمتمة، وأواصل نزف الحسنات، وأضع الجهاز على أذني، ولا شيء، وأحكه على فخذي، وأرجه قليلاً، ويتملكني التعب ويتلبسني الحزن ويغلبني النعاس، فأستعين بأقاربي من الدرجة الأولى، فنبحث عن هذا الموقع الملعون، فنعجز، فنبكي تسع مراتٍ معاً…
وفي هذه الأيام المباركة من شهر أغسطس، أرفع يدي اليمنى بالدعاء (اليسرى مشغولة بالبحث عن عمود أو خنجر أو أي شيء مما خف حمله وسهل القتل به) على سعود العنزي مساعد مدير تحرير جريدتنا: اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اجعله يرى الأجهزة الحديثة فيهرب منها كما تهرب الصبية المترفة من الفئران، اللهم وأحينا إلى يومٍ يعيش فيه سعود في كهف لا يرتدي فيه إلا ما يستر عورته، ولا يجالس إلا البوم والخفافيش.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *