أ.د. محمد إبراهيم السقا

بنك التنمية الصيني.. أمل جديد للدول النامية

البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحية هو مصرف تقوده الصين لتوفير التمويل اللازم لتلك المشروعات في الدول الأعضاء والدول النامية الأخرى في العالم، ويهدف إلى دفع النمو الاقتصادي في العالم وتقوية التعاون المالي والاقتصادي بين الصين والدول الأخرى، وهو مصرف يشابه في أعماله البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي تسيطر عليه بدرجة كبيرة حاليا الولايات المتحدة وحلفاؤها، بل وتستخدمه أحيانا لتحقيق أهداف استراتيجية خاصة بسياستها الخارجية مع الدول الأعضاء. من ناحية أخرى، فإن البنك الآسيوي للتنمية هو أيضا مصرف له أهداف مشابهة للبنك الدولي، ولكنه مصرف تسيطر عليه كل من اليابان والولايات المتحدة من جانب، كما أن التمويل السنوي لمشروعات البنية التحتية الذي يقدمه المصرف يعتبر محدودا للغاية مقارنة بالحاجات الحقيقية للإقليم من جانب آخر.

على سبيل المثال اقتصرت عمليات التمويل التي قام بها في 2014 على 22 مليار دولار، وهي أقل بكثير من الاحتياجات التنموية الحقيقية للإقليم.

يرى المراقبون أن الصين تهدف من إنشاء المصرف إلى أن يكون لها التأثير ذاته الذي تمارسه الولايات المتحدة على النطاق الدولي، فالمشكلة التي تعانيها الصين كأكبر اقتصادات العالم هي أن تأثيرها الدولي في مؤسسات الإقراض الدولية مثل البنك الدولي أو بنك التنمية الآسيوي أو صندوق النقد الدولي، تعد متواضعة جدا بالقياس إلى الوزن الكبير الذي تمثله في الوقت الحالي في الاقتصاد العالمي، على سبيل المثال فإن القوة التصويتية للصين في صندوق النقد الدولي لا تزيد على 4 في المائة، أي أقل من حصة اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، على الرغم من أنها من حيث القوة الاقتصادية تفوق هذه الدول جميعا باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم من الناحية الاسمية، وهي أكبر اقتصاد في العالم بتعادل القوة الشرائية. كما أن القوة التصويتية للصين حاليا في البنك الآسيوي للتنمية نحو 6.5 في المائة، وفي البنك الدولي نحو 5.2 في المائة، فكيف لأكبر اقتصادات العالم أن تكون هذه هي ما يملكه من قوة تصويتية؟

حاولت الصين زيادة تأثيرها في المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي،إلا أنها لم تحصل سوى على زيادة محدودة للغاية في القوة التصويتية، ومع أن إقرار هذه الزيادات قد تم في 2010، إلا أنها ما زالت حتى اليوم تنتظر موافقة الكونجرس الأمريكي لإقراره هذه الزيادة لبدء العمل بها في الصندوق، لذلك لم تكن الخيارات متسعة أمام الصين سوى إنشاء بنك دولي تقوده وتمارس من خلاله حقها في التأثير والسيطرة على مسار عمليات تمويل التنمية على المستوى الدولي استنادا إلى الاحتياطيات الضخمة للغاية التي تملكها في الوقت الحالي.

البعض يصف الخطوة الصينية لإنشاء المصرف بأنها وسيلة رسمية لتوزيع المساعدات التنموية التي تقدمها للدول الأخرى، ولكن في إطار مؤسسي وعلى أساس أكثر شفافية، بعد أن اتهمت الصين بأن بعض مساعداتها تستهدف أساسا ربط الدول الآسيوية الأخرى بشبكة طرق وخطوط سكك حديدية وغيرها بالصين، لتشجيع التجارة الصينية – الآسيوية، دون اعتبار للاحتياجات الحقيقية للتنمية فيها. بينما تدعي الصين أن الاحتياجات التنموية في مجال البنى التحتية للدول الآسيوية تتزايد على نحو واضح، وأن المؤسسات الدولية الحالية التي توفر التمويل اللازم غير كافية أو موجهة أساسا من منطلق سياسي، مع تأكيدها على أن المصرف الجديد لن يؤثر في المؤسسات القائمة، ولن يكون منافسا لها، وأن المصرف سيسهم في تلبية الاحتياجات الملحة للدول الآسيوية لتمويل مشروعات البنية التحتية العملاقة في هذه الدول، حيث ترتفع التكلفة المالية لمثل هذا التمويل أو ربما تكون غير متاحة للعديد من الدول، خصوصا تلك التي ترتفع مستويات المخاطر فيها.

منذ إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية والولايات المتحدة تعارضه باعتباره يعد منافسا لمؤسسات دولية قائمة مثل البنك الدولي، ويمكن أن يؤثر سلبا في وظائفها، وقد نصحت الولايات المتحدة حلفاءها الرئيسيين بالابتعاد عن المشاركة في المصرف، على سبيل المثال انتقد وزير الخزانة الأمريكي الشهر الماضي تسابق الدول الأوروبية على الانضمام للمصرف، مشككا في قدرة المصرف الجديد على مواجهة الفساد، قائلا إن قلقنا الأساسي يدور حول التساؤل عما إذا كان المصرف سيلتزم بالقواعد الرفيعة التي طورتها المؤسسات الدولية، وهل سيلتزم بحماية العمال والبيئة، وهل سيتمكن من التعامل مع قضايا الفساد بصورة ملائمة؟ داعيا هذه الدول من التأكد إلى الالتزام بهذه القواعد أولا قبل أن تشترك في المصرف.

أعتقد أن مصادر القلق التي أثارها الوزير الأمريكي تعكس في جوهرها قلق أمريكا على نفوذها الاقتصادي على العالم أكثر منها قلقا حقيقيا على هذه الدول، وهذا نوع من النفاق، ففي الوقت الذي تهاجم فيه أمريكا الصين بأنها لا تتحمل مسؤوليتها الدولية كما يجب باعتبارها أحد أكبر اقتصادات العالم، فإن الصين عندما تحاول أن تلتزم بذلك فإنها تواجه انتقادات أمريكا، فماذا تريد أمريكا بالضبط؟ حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة لا تشعر بالرضا مع تزايد النفوذ الصيني الذي قد يهدد هيمنتها في بعض المناطق في العالم، وعلى رأسها آسيا، التي ينتظر أن تكون من أهم أقاليم العالم اقتصاديا في المستقبل. بالطبع أمريكا تفضل أن يظل البنك الدولي هو المحتكر لعمليات التمويل للتنمية، وبدرجة أقل البنك الآسيوي، حيث تمارس تأثيرا واضحا عليهما.

على الرغم من حث أمريكا حلفاءها على عدم الانضمام إلى المصرف، إلا أن الاهتمام العالمي بالمصرف تزايد بصورة واضحة، خصوصا الشهر الماضي الذي بنهايته تنتهي طلبات العضوية في المصرف للدول المؤسسة. فقد كان الإعلان عن قبول عضوية بريطانيا كعضو مؤسس أهم العوامل التي دفعت بدول أوروبية أخرى للانضمام إلى المصرف، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، كذلك انضمت سويسرا وأستراليا وروسيا، بينما أعلنت البرازيل انضمامها للمصرف دون أي شروط مسبقة، وقد كانت كوريا الجنوبية آخر حلفاء الولايات المتحدة التي تتحدى رغبتها وتنضم إلى المصرف. بالطبع كوريا الجنوبية تنضم إلى المصرف وعيناها على شركاتها الكبيرة التي يمكن أن تستفيد من مثل هذا التمويل في أعمالها في مجالات الإنشاءات والنقل والاتصالات. من الدول العربية المشتركة في المصرف السعودية والكويت وعمان وقطر والأردن، بينما قبل يوم واحد من انتهاء المهلة المحددة لانضمام الأعضاء المؤسسين، تقدمت مصر بطلب الانضمام كعضو مؤسس، وقد رحبت الصين بذلك وستصبح مصر بالتالي عضوا مؤسسا اعتبارا من 14 نيسان (أبريل) القادم، ووفقا لآخر البيانات المتاحة فإن هناك 30 عضوا مؤسسا في البنك، من آسيا وخارجها، كما أن هناك طلبات للانضمام إلى المصرف قبل انتهاء فترة انضمام المؤسسين تشمل 22 دولة.

لقد كانت هناك تكهنات بانضمام اليابان إلى المصرف، غير أنه أعلن يوم الثلاثاء الماضي وقت كتابة هذا المقال أن اليابان لن تشارك في المصرف في الوقت الحالي، كعضو مؤسس، حيث ترى اليابان أنه لا حاجة إلى الإسراع في الانضمام للمصرف في الوقت الحالي. رأس المال المبدئي هو 50 مليار دولار، ويتوقع أن يتضاعف، ووفقا لما هو معلن فإن من حق الدول غير الآسيوية أن تكون عضوا في المصرف، ولكن الحد الأقصى للأسهم التي يمكن أن يساهموا بها في رأسماله لا يزيد على 25 في المائة من أسهم المصرف.

من المؤكد أن عمل هذا المصرف يفتح آفاقا أوسع للدول النامية في توفير التمويل المناسب لمشروعات البنى التحتية فيها بشروط تمويل أسهل وتكلفة أقل، وهو ما يفتح آفاقا أوسع أمام خطط توسيع نطاق البنى التحتية في الدول النامية، وهو ما يسهم في رفع درجة تنافسيتها وتوسيع الطاقة الاستيعابية لاقتصاداتها ويسهل عمليات الانتقال والاتصال، وهي متطلبات أساسية لدعم عملية التنمية في هذه الدول، الأمر الذي يوسع نطاق الخيارات المتاحة أمامها حاليا بعيدا عن التأثير الأمريكي، وهو ما يعد من أهم مزايا إنشاء مثل هذا المصرف. ففي ورقة عمل لبنك التنمية الآسيوي نشرت في 2010، تم تقدير الاحتياجات التمويلية للقارة بين 2010-2020 بنحو 800 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم جدا، يتوقع بالطبع أن يتجاوز تريليون دولار بأسعار اليوم، ومن المؤكد أن جميع مصادر التمويل المتاحة من خلال مصادر التمويل الدولية تعجز عن تدبير هذا التمويل الضخم، ولذلك تأتي أهمية مثل هذا المصرف.

بقي على الصين أن تؤكد لشركائها حرصها على ضمان أعلى درجات الشفافية والحوكمة في المصرف الجديد، وأن تسمح بمشاركة تصويتية على أساس أكثر عدالة بين الأعضاء المشتركين في المصرف، ولا تكرر مأساتها مع الولايات المتحدة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

أ.د. محمد إبراهيم السقا

أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
[email protected]
@elsakka

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *