سعيد محمد سعيد

العبيدلي والنجاس… أسعد الله قلب أمكما البحرين

 

في الشدائد فقط، يظهر المعدن الأصيل لشعب البحرين الكريم، الوفي النبيل وحسب.

في الملمات، يتباهى أولئك الشرفاء من أبناء البحرين بأنهم قلب واحد لا تفرقهم سياسة ولا أديان ولا مذاهب ولا مواقف أيدولوجية أو سياسية اتفقوا أو اختلفوا معها…

ربما تقلصت تلك الصور كثيراً على امتداد سنوات الأزمة الماضية، لكنها لاتزال ماثلةً وقائمةً في البيت البحريني الجميل بكل موروثه الديني والاجتماعي والتراثي والتاريخي. وهي وإن كانت قليلة الظهور، لكن الكرماء لم يتنازلوا عنها قيد أنملة، ولربما فضّل آخرون أن تبقى في خفائها أفضل وأسلم من نهش وحوش الطائفية.

في ضراوة المشاهد التفتيتية في المجتمع اليوم، لا شيء يسعد قلب البحرين الأم سوى تلاحم أبنائها وهي ترى قبضتهم تلوي عنق أهل الاتهامات والافتراءات والتأجيج الطائفي. بالطبع، مازال الكثير من أبناء الطائفتين الكريمتين يدركون أن بيتهم واحد، مهما نشر أقطاب الطائفية بكتيريا سمومهم، أياً كان مذهبهم، وأن مصيرهم واحد، وأن لهم الحق في العيش بين جدران هذا البيت وتحت سقفه، إلا أن تلاحم المواطنين محمد عيسى العبيدلي وأهله وأصدقائه مع أخيه وصديقه محمد النجاس، ليست صورة معتادة أو عابرة. ولعلها الصورة الأقوى في انصهار المخلصين من أبناء الطائفتين الكريمتين مع بعضهم، بالنسبة لي كمواطن على الأقل، متجاوزين كل الأسلاك الطائفية الشائكة، وضاربين بعرض الحائط كل دعوات الصدام المذهبي الكريه، وداهسين تحت أرجلهم كل ناعق بخبيث القول وخسيس النوايا.

لسنا في معرض استحضار تفاصيل قضية العبيدلي والنجاس فهي معروفة لدى الكثيرين، إلا أن إصرار العبيدلي على تنظيم الاعتصامات التضامنية مع المعتقل محمد النجاس لا يمكن حصرها في كون مواطن من الطائفة السنية الكريمة أبى إلا أن يساند ويعاضد ويرفع صوته مدافعاً عن مواطن من الطائفة الشيعية الكريمة. لكن بالتأكيد، إن لهذا الموقف اللافت جذوراً اتصلت منذ القدم بما كان عليه الآباء والأجداد، ويريد البعض لتلك الجذور اليوم أن تذوب وتتفتت، لكن ذلك عصي على من يسعى لذلك الهدف.

في نظري المتواضع، يقدم العبيدلي والنجاس في أحلك الظروف وأقساها، أصدق معنى للمواطنة الصادقة والأخوة الإسلامية وسلامة المبدأ في الحياة. أمر لا يعرفه من يصبح يومه حتى يمسي وهو ينشر في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي الخطب وفي المحاضرات وفي الغرف المغلقة نيران الطائفية والتناحر، سواءً كان خطيباً أم نائباً أم مسئولاً أم إعلامياً أم كاتباً لا يستطيع العيش في بيئة تسودها المحبة والتفاهم والتعايش والتسامح… تفسد بضاعته وتبور ويفقد لقمته الحرام.

ترى، أي خاتمة نختار في نهاية حديث كهذا؟ هل سنعربد كما يعربد أهل الشقاق والنفاق والطائفية والصدام المذهبي والمتاجرين زيفاً بالولاء وحب الوطن؟ أم سنفعل كما يفعل من يسعى لتدمير هذا الكنز البحريني بين أبناء البحرين باستحضار ما تعفّنت به كتب التاريخ بسقيمها ومكذوبها، وباستعراض مقاطع اليوتيوب المؤجّجة للناس وبفبركة المقاطع والصور لتبقى النار مشتعلةً يستمتع بها جراثيم الطائفية؟ أم سنحمد الله على هذه النعمة وندعو لأن يديم رب العالمين الإحسان بين الناس، وليعيش أهل البحرين، ومن يقيم فيها، بوئام وسلام وتعايش ومحبة؟ يبدو أن السؤال الأخير هو الجامع لذوي القلوب الصادقة، والمثير لغضب وحنق ذوي النوايا الشيطانية.

وهنا خاتمة جميلة جداً. ذات يوم، كتب زميلي هاني الفردان مقالاً بعنوان: «العبيدلي والنجاس»، ختمه بنص يقول: «هذه هي الحقيقة، قضية واحدة يقال إن المتهمين فيها صديقان من طائفتين مختلفتين، لم تفرقهم أبداً الزوبعة التي اختلقها المؤزمون في البلد، إلا أنهم بالتأكيد (أي المؤزمين) سيسعون للاستفادة من هكذا قضايا لزيادة حدة الشرخ المجتمعي، ضمن مفهوم «فرق.. تسد».. هناك من ينادي بالحرية للأول فقط، وتجاهل الثاني، ولكننا سننادي بالحرية للاثنين، لأنهما أبناء وطني، دمهما دمي، وعرضهما عرضي، ومالهما مالي، لا فرق بينهما… إنهما أخوة لي». (انتهى الاقتباس: «الوسط»، العدد 3530 – الإثنين 7 مايو 2012).

الأحبة، العبيدلي والنجاس… أسعد الله قلبيكما كما أسعدتما قلب أمكما البحرين وأبناءها الطيبين.