سعيد محمد سعيد

«بازار» أهل الشتيمة

 

يبدو أن «أهل الشتيمة» في المجتمع البحريني، من مواطنين ومقيمين، vينتشرون في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني، وبدأوا في الاتساع شيئاً فشيئاً، تماماً كما الورم الخبيث المدمّر، ولا غرابة إن وجدت من بين أواسط أراذلهم من يعتلي منبر الخطابة الجاهلية، أو يمثل الشعب زعماً، أو يرى في نفسه أنموذجاً للوقاحة.

لكن، دون شك، لا يمثل هؤلاء أهل البحرين الذين عُرفوا بين الشعوب بالطيبة والأخلاق الحميدة والالتزام الديني، إنما يمكن وصفهم بأنهم «شرذمة» تتاجر بالدين والوطن والولاء المزيف، غير أن أقصى ما تملكه من جهد هو التميز في الدناءة والإساءة والسباب وانتهاك أعراض الناس. ولعلهم في ذلك قد اختاروا الطبل الذي يناسبهم للتطبيل بصوت مسموع جداً عل أعطيات من هنا وهناك تصل إلى جيوبهم، حالهم حال غيرهم ممن نال مكافأته نظير دناءته.

وعلى الرغم من أن حسابات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، سواء في المجتمع البحريني أم غيره، تعج بالكثير من الجراثيم والميكروبات الفتاكة، إلا أن هناك حسابات أخرى، وإن كانت قليلة، لكن فيها الخير الكثير. هؤلاء، من يصيغون الكلام الطيب بقلوب نقية هم أهل البحرين.

قبل أيام قلائل، تعرضت إحدى الشخصيات النسائية البحرينية (المسئولة في الماضي) لموجة تشفي وشتائم وصلت إلى حد النيل من عرضها! وعلى أن الكثيرين لديهم مواقف من تلك الشخصية نشأت أصلاً بسبب مواقف تلك الشخصية، إلا أنهم لم يقبلوا أبداً النيل من أعراض الناس، حتى لو كان «أولئك الناس» ظلموهم ونكّلوا بهم واستهدفوهم يوماً ما.

بالطبع، نتفق جميعاً على أن «بازار أهل الشتيمة» له مريدوه من ذوي الأخلاق الخبيثة والتربية السيئة، لكن مهما تعدّدت وانتشرت صورة ذلك الخبث والقبح في وسائل التواصل الاجتماعي، يبقى ذلك الحيّز المريض هو المستقطب لأشكاله فقط. في البحرين مثلاً، كان من اليسير أن تقرأ مئات المقالات والرسائل الطائفية التفتيتية السقيمة، وتشاهد مئات المقاطع المرئية المليئة بالوباء الشيطاني على مدى سنوات الأزمة الأربع التي تعصف بالبلاد، فكان الأمر بالنسبة للطيبين مذهلاً شديد الوجع!

هب أنك تختلف مع مواطن آخر في المذهب والإتجاه السياسي، من أين أتيت بالمسوّغ الشرعي والقانوني لأن تنتهك عرض من يخالفك وتتمنى موته وتسفيره من بلاده، وتشعر بالفرح العارم حين تقطع رزقه أو تتمتع بإهانة مذهبه والنيل من كيانه كإنسان؟ بالطبع هذا الكلام يشمل كل الجراثيم الطائفية من أي دين أو ملة أو مذهب.

هناك حالة غريبة دخيلة على المجتمع البحريني وجدت بيئةً خصبةً لنموها، حتى أن الكثير من «الأغراب» احتشدوا متسلحين بالتدين السطحي الكاذب وبالأذكار والآيات القرآنية والاستغفار التي يبدأون أو ينهون بها «حفلة زار» الشتم والخسة. لك أن تجد في الكثير من وسائل الإعلام الإلكتروني من يجمع أسوأ وأرذل مفردات الشتم لمن يخالفه مذهبياً وسياسياً، ثم يختم كلامه بآية قرآنية أو تقرأ في توقيعه عبارة «اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك»!.

جوقة «بازار أهل الشتيمة» يعاضدون بعضهم بعضاً على الفحش! حتى أنك تجد من يندفع بنزعة طائفية شيطانية بغيضة ليهاجم أسرةً أو محامياً أو مواطناً عادياً تقدم إلى القضاء شاكياً خطيباً أو صحيفةً أو مغرّداً تجاوز حدوده في الافتراء والشتم والتشهير. لكن كل ذلك مع شديد الأسف، وأقصد السلوك الخبيث، يمكن أن يأمن فاعلوه ما لم يطبق عليهم وعلى غيرهم القانون بعدالة دون تمييز أو محسوبية أو غطاء مهما كان نوعه.

وأخطر من هذا وذاك، أن تشاهد خطبةً أو محاضرةً لأحد المشايخ، سواءً في الخليج أو العالم العربي والإسلامي، يحذّر الناس من ظاهرة الشتم والافتراء باعتبارها ظاهرة اجتماعية سيئة (عمت كثيراً من الخلق) وانتشرت في أوساط المسلمين باستخدام الألفاظ البذيئة المقذعة في الأسواق وأماكن العمل والمدارس وغيرها، وتنتفخ أوداج خطيب آخر وعيونه يتطاير منها الشرر غضباً، وهو محق في ذلك، حين يستعرض نماذج من القول الفاحش البذيء وانتشار سلاح السباب، ثم تُصدم حين تستمع له في آخر خطبته أو محاضرته أو فيما قبل الجزء الأخير منها وهو يتمايل طرباً بالغمر واللمز والتعدّي على من يختلفون معه في المذهب أو في التيار أو حتى في بيئته الاجتماعية.

بازار أهل الشتيمة سوقٌ سيء، ولا يمكن أن نقبل أن يكون المجتمع البحريني مرتعاً لأمثال هؤلاء، ويتوجب على كل جهة معنية، سواء كانت وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف أو وزارة شئون الإعلام أو النيابة العامة أن تتحرّك بحزم لمعاقبة أهل ذلك السوق الذي يبيع بضاعة الكلام البذيء الرخيص، ويقذف أعراض الناس ويشهّر بمن يريد أن يشهر، ويتعدى على من يريد دون رادع… فليس هذا هو المجتمع البحريني إطلاقاً.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *