دخل عامل «الكانتين» الى غرفة التحرير حاملا العصائر، توقيته كان سليما لأني كنت أتلفت باحثا عن شيء أشربه.
طاولة التحرير كانت عامرة بأنواع المشاوي، وبينما كان بوخالد (وليد الجاسم) يشرح الفرق بين أشهر المطاعم اللبنانية، كان الشيخ خليفة «يباشر» الضيوف بقطعة كباب.. أو كفتة.
علق أحد الحضور قائلا: «توقعت، وأنا أدخل عليكم الغرفة، أني سأجد نفسي بما يشبه مجلس عزاء.. خصوصا ان قرار اغلاق الصحيفة لم يجف حبره»؟!
فرد الشيخ خليفة مشيرا الي: «هذا اللي صكوا جريدتنا بسببه.. ها دكتور، قطعة ثانية من الكباب؟».
ما لم يعلمه بعض الحضور ان الشيخ خليفة كان قد أخبرني قبلها بأسابيع أنه تم اتخاذ قرار اغلاق «الوطن» و«عالم اليوم» دون بقية الصحف.. لكنها مسألة وقت.. واختيار العذر المناسب!
ولذا عندما جاء كتاب الاعلام بالاغلاق، متحججا بمقال كتبته، وبآخر للكاتبة الثورية منى العياف، وبمقابلة للنائب السابق علي الراشد، لم نجد، أنا وأسرة التحرير، أفضل من الجلوس الى وليمة عشاء للتندر حول بُعد نظر سمو رئيس مجلس الوزراء، وتابعه وزير الاعلام! متابعة قراءة لعبة «شخصان»!
اليوم: 24 يوليو، 2014
الجسد المريض والأطراف المتآكلة
يواجه العالم أجمع، والعرب على وجه الخصوص، ما تتعرض له غزة وشعبها من قتل وتشريد وتنكيل وغزو وعدوان إسرائيلي شرس، يواجهونه ببرود غريب. ويعتقد البعض انه «برود» متوقع! وسببه يعود أساسا لسئم هؤلاء من القضية الفلسطينية واصحابها. وسئموا من تكرار شعارات وخطب العودة منذ 1948. وسئموا من رفض الفلسطينيين للمبادرة والخطة تلو الأخرى ومن ثم القبول بها، ولكن بعد فوات الأوان. وسئموا من الاختلاف الفلسطيني الفلسطيني، الذي برر، حتى ما قبل عام أو اثنين، وما قبلهما بقليل وكثير، أن يرمي كل فريق المناوئين له من المنتمين للفصيل أو الفريق الآخر من على أسطح المباني، ليلقوا حتفهم. وسئموا، بعد أن عرفوا عدد القتلى الفلسطينيين على ايدي اخوتهم الفلسطينيين واشقائهم العرب أكبر بكثير من الذين قتلهم الإسرائيليون. وسئم الكثير من تكرار القول إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن يبقى صراعا بين الطرفين وليس صراعا عربيا إسرائيليا! فقد كان العرب مصدر تعجيز وإحباط للفلسطينيين منذ البداية، وتشتتهم كان بسبب جذب كل طرف عربي مقتدي، مالا أو سلاحا، لطرف فلسطيني او أكثر لجانبه.
واشاح جزء كبير من العرب، اكثر من اي مرة سابقة، بوجوههم عما يجري في غزة، لأنهم بكل بساطة يتعرضون هم أنفسهم في ديارهم للقتل والتشريد، كما يتعرض الفلسطينيون في غزة للقتل والتشريد، فمصر لا تزال تلعق جراحها، والعراق لا يزال ينزف، ولا من مسعف أو صديق، وسوريا تقطعت أوصالها وليبيا تصارع لوقف موت مؤسساتها، واليمن لا يزال سعيدا، طالما يجد أهله ما يمضغوه من قات ينسيهم مشاكل جيشهم وصراعه الدامي مع القاعدة والحوثيين، فما الذي تبقى؟ قطر وجيبوتي وجزر القمر مثلا؟
نعم غزة تئن وتتألم وتصرخ وتنزف ويموت أهلها بالعشرات يوميا، ولا من مجيب لنداءاتهم غير فريق يجمع البطانيات هنا، وآخر يرسل السمنة والطحين هناك. الكل مشغول عما يجري في غزة لأن التخلف الذي كنا نحذر منه منذ عقود وصل العظم ونخر فيه، واصبح الجسد العربي المريض عاجزا عن تقديم يد المساعدة لأي من أطرافه المتقطعة. لقد قال السيد نصرالله عام 2006 انه لو كان يعلم بأن رد فعل الإسرائيليين على خطف ميليشياته لعدد من الجنود الإسرائيليين كان سيكون بكل ذلك العنف، لفكر كثيرا قبل الإقدام على خطوته. واليوم يقول أهل غزة، ربما صمتا، الشيء ذاته. فنحن لا نود التصديق أو الإيمان بان صراعنا مع إسرائيل ليس دينيا ولا تاريخيا ولا تجاريا بل هو صراع حضاري، وعليه ستستمر إسرائيل في ضربنا المرة تلو الأخرى من دون ان يكون لنا حول لرد عدوانها ولا القوة للرد عليه طالما أننا بكل هذا التخلف.
أحمد الصراف