علي محمود خاجه

شركة

لنفترض أنك أيها القارئ الكريم مساهم في شركة استثمارية، وعينت هذه الشركة 10 أعضاء مجلس إدارة، كلهم يعبدون البقر، وهم بدورهم قاموا بتعيين إدارة تنفيذية من البوذيين ليسيّروا شؤون الشركة الاستثمارية، وقامت هذه الشركة بعد عام من إنشائها بتوزيع الأرباح على المساهمين وأنت منهم، حيث بلغت هذه الأرباح ربع مبلغ مساهمتك في الشركة مع احتفاظك بأسهمك ومنحك أسهماً إضافية، وتكرر الأمر في العام الثاني، وزادت أرباحك في العام الثالث لتصل نسبة الأرباح التي حصلت عليها من هذه الشركة الاستثمارية التي يديرها عابدو البقر والبوذيون خلال ثلاث أو أربع سنوات إلى نسبة مساهمتك الأساسية أصلاً في هذه الشركة، بمعنى أنه إذا كانت مساهمتك في هذه الشركة تقدر بألف دينار فإن الأرباح التي تحصلت عليها من الشركة خلال تلك السنوات القليلة هي ألف دينار، بالإضافة إلى زيادة عدد أسهمك في هذه الشركة.
كما أنك ساهمت في نفس الوقت في شركة استثمارية أخرى أسسها أبناء عمك وتولوا إدارتها ومناصبها التنفيذية وتكبدت هذه الشركة خسائر جمة قضت على كل أسهمك فيها، وأصبحت قيمتها معدومة أو شبه معدومة.
إن التصرف المنطقي والطبيعي هو أنك سترغب في الإبقاء أو زيادة مساهمتك في الشركة الأولى والانسحاب الساخط من الشركة الثانية دون أي اعتبار للقرب أو البعد الاجتماعي أو العائلي أو الديني، فالحسابات ستكون خاضعة فقط للربح والخسارة المادية دون سواهما.
الأمر الوحيد الذي قد يجعلك تستمر في الشركة الثانية هو أنك لم تدفع أي مبلغ مقابل مساهمتك فيها، بمعنى أنك حصلت على الأسهم لمجرد أنك تنتمي إلى عائلة مؤسسي الشركة، وهو ما قد يجعلك أقل اهتماماً بالربح والخسارة، بحكم أن الخسارة إن حدثت فلن تنقص من رصيدك شيئاً.
في الكويت، كل مولود كويتي مساهم في الدولة (الشركة) لمجرد أن والده كويتي الجنسية، لا تطلب الدولة (الشركة) منه أي شيء، فتتولى تعليمه ورعايته الصحية وتوظيفه، وإن كان بشكل صوري، وتزويجه وإسكانه أيضاً دون مقابل يذكر، فتكون النتيجة في الغالب عدم إحساسه بمسؤولية العطاء بل الأخذ، وعدم التفاته إلى مدى نجاح إدارة الدولة (الشركة) مادام يحصل على كل الامتيازات منها.
هذه الثقافة يجب أن تتغير ولا طائل من استمرارها سوى تعاسة أكبر ووضع أسوأ، فالكويتيون، كل الكويتيين، يجب أن يساهموا في الدولة (الشركة) كي ينصب اهتمامهم بشكل أكبر على الوطن، هذه المساهمة ستجعلهم يتساءلون: لماذا يتم صب الأسفلت سنوياً في الكويت، علماً بأن دولاً أكثر ازدحاماً وكثافة لا تحتاج إلى هذا العمل في كل سنة؟ ولماذا يكلف استئجار جهاز لوحي للمدارس مبلغاً أكبر من قيمة شرائه؟ ولماذا لا نملك إلا مركزاً واحداً في الكويت يتجه إليه معظم السكان صباح كل يوم فتختنق الطرق في الكويت بعد 70 عاماً من الثروة؟ وألف تساؤل آخر كلها مستحق لا يحظى باهتمام كبير لأننا مساهمون دون أن ندفع فلساً واحداً!
إن أبرز المعالم الكويتية اليوم هي تلك التي يحكمها القطاع الخاص (الأفنيوز – مارينا إف إم – طيران الجزيرة – شركة زين) والسبب ببساطة أنها تدار بأموال الناس، فإن أخفقوا فهناك محاسبة فعلية، في حين أن المعالم الحكومية، وأبسطها شركة المشروعات السياحية المسيطرة على أجمل بقاع الكويت، فاشلة ضعيفة مهجورة، وهو ما يلخص الحكاية باختصار ويشير إلى مكمن الخلل بوضوح.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

علي محمود خاجه

email: [email protected]
twitter: @alikhajah

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *