أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

لا يحتكر إلا خاطئ.. عبث احتكار الأراضي

حديث عظيم لنبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، لخص فيه وبكلمتين العديد من الأسس والمبادئ الدينية والأخلاقية والاقتصادية، وذلك في قوله عليه السلام: «لا يحتكر إلا خاطئ»، والمقصود من ذلك أن من يمارس سلوك الاحتكار لما يحتاج إليه الناس لمعيشتهم الحياتية، وبشكل ملح لا غنى لهم عنه، فهو إنسان قد اقترف عملا مشينا، بل ومؤثما شرعا، أي حرام، وهو ما تعبر عنه كلمة خاطئ، كما سطرها صلى الله اليه وسلم، وهذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في مسنده، يدلل على خطورة هذا السلوك المضر بالناس والمجتمع. واليوم يقوم بعض الناس، أفرادا وشركات، باحتكار «أراضي السكن» بحبسها عن التداول طمعا برفع قيمتها، وهم يعلمون حاجة الناس الملحة إليها ويسمون ذلك «تجارة»، بل و«شطارة»، وهو ليس كذلك بل هم يرتكبون أسوأ الأفعال المحرمة، بل والمستهجنة اجتماعيا، بل وصارت مجرمة قانونا في بعض الأنظمة القانونية.

ومن ثم فإن المحتكر من الناحية الدينية يرتكب فعلا «محرما»، مما يعني أنه ينال أثم سلوكه ذاك بصورة متجددة طوال قيامه باحتكار ما يحتاج إليه الناس، ومع تجدد ذلك الاحتكار لـ«الأراضي السكنية» التي يحتاج إليها الناس.
والمحتكر للأراضي السكنية يمارس سلوكا منبوذا أخلاقيا واجتماعيا، لأنه قد بلغ من الجشع والطمع أن حرم الناس مما لهم حاجة ملحة إليه «الأراضي»، تعظيما لمكاسبه المالية، ففقد هو وماله خصلة أخلاقية واجتماعية، تتمثل بإشباع حاجة الناس ومساعدتهم، لا استغلالها والتلاعب بها بجشع يضر بهم.
كما أن محتكر «الأراضي السكنية» قد جاء بسلوك شائن من الناحية الاقتصادية، فما يظنه «تجارة» و«شطارة» من احتكاره للأراضي وحبسها عن الناس رغم حاجتهم الملحة إليها للسكن، هو سلوك اقتصادي انتهازي ليس فيه أي مؤشر على ذكاء تجاري لصاحبه او قيامه بنشاط يعكس «ذهنية تجارية»، وإنما انتهازية السيطرة على «السلعة» ومنعها من التداول استغلالا لغياب التنظيم القانوني لسوق العقار وكيفية تداوله بشفافية وإفصاح كامل، ولذا فإن سلوكه مجرد من «الشطارة»، يتسم بـ«الجشع والانتهازية»، لذا فهو يأكل «مالا حراما» لكل فلس ودينار بزيادة قيمة عقاره نتيجة «لاحتكاره الخاطئ»، كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد اندفع العديد من الشركات والبنوك، فضلا عن الأشخاص، الى تكريس احتكار «أراضي السكن» تحت عنوان «المتاجرة والمضاربة»، وهم واهمون لأنهم يحتكرون ما يحتاجه الناس، مما تضاعفت معه أسعارها، حتى صار تملكها بقيمة طبيعية للحياة المعيشية مستحيلا، مع غياب الدولة في كسر هذا الاحتكار، فهم آثمون ويأكلون ويتاجرون بما هو حرام من دون شطارة تجارية تذكر، فهل يتدخل مجلس الأمة أو الحكومة لمنع هذا الاحتكار؟!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *