علي محمود خاجه

مقال ثابت

قبل ثلاث أو أربع سنوات نشرت هذا المقال لأول مرة، وأذكر بأن كم الاستهجان فاق الترحيب حينها، ولكني كنت مقتنعا جدا بما كتبت ولم تتغير تلك القناعة منذ ذلك الحين، بل كانت تترسخ أكثر كل عام، وهو ما كان يجعلني أعيد نشر المقال في كل رمضان، وهو ما سأكرره اليوم أيضا، ومن حسن الحظ بأن الفكرة التي طرحتها من خلال المقال قبل أعوام باتت مستحسنة اليوم ويتداولها الكثيرون في وسائل التواصل على عكس ما كان عليه الوضع قبل ثلاثة أعوام، والفضل طبعا لا يعود لما كتبت بل لارتفاع الوعي نسبيا في هذا الاتجاه ولاكتشاف الناس للتناقض الصارخ الذي نعيشه، عموما كي لا أسهب في المقدمة أترككم مع المقال القديم الذي سأكرره في كل عام إلى أن يتغير الوضع القائم، وكل عام وأنتم بخير.

«ما زلت أجهل سبب إغلاق كل أماكن الطعام في فترة الصيام الرمضانية؟ فلماذا نختزل الدولة التي يقطنها أكثر من 3 ملايين شخص من مختلف الديانات والعقائد والأفكار بدين واحد فقط؟ قد يكون التساؤل أصلا غير مقبول لدى البعض بحكم أن منع الطعام في الأماكن العامة في رمضان هو ما كبرنا وتأسسنا عليه في الكويت، ولكن إن تحملتم أخذ الموضوع بروية فقد تصلون إلى ما وصلت إليه من قناعة.

فالصيام أحد أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج، ويفترض على كل مسلم قادر أن يؤدي تلك الفرائض، ودولة الكويت كسائر البلدان الإسلامية تهيئ الظروف لكل هذه الواجبات الدينية، فتنشئ المساجد وبيوت الزكاة، بل تراعي ساعات العمل أيضا في شهر رمضان، وكل هذه الأمور لا تؤثر في نمط معيشة غير المسلمين في الدول الإسلامية، وهذا هو الأمر الطبيعي والمقبول، إلا أن منع الطعام وإغلاق المقاهي والمطاعم أمران لا أفهمهما بتاتا، فلماذا يفرض على الجميع ما لا ينطبق إلا على فئة معينة وديانة معينة فقط؟ بل حتى إن أراد غير المسلم أن يشرب الماء في فترة الصيام يعاقب بالحبس لمدة شهر والتهمة مجاهرة بالإفطار!!

هناك ديانات وعقائد متنوعة أحدها يصوم عن أكل اللحم مثلا لمدة معينة من الزمن، فهل يقبل المسلم الذي يعيش في بلد أغلبيته تعتقد بذلك الدين أن يمنع من اللحم طوال مدة صوم بعض مواطني ذلك البلد عنه؟

كما أننا نقع في تناقض آخر غير مفهوم كذلك، فلماذا نمنع أماكن الطعام فقط في فترة الصيام، ولا تغلق الأماكن العامة في فترات الصلاة طوال السنة؟ (وهو ما أرفضه طبعا)، فالمنطق واحد وهو أن نفرض على الناس جميعا ما هو مفروض على المسلمين فقط.

أعتقد أن مسألة منع بيع الطعام بالأماكن العامة ليست سوى عادات وتقاليد كانت مطبقة حينما كان المجتمع الكويتي محدود العدد جدا دون تنوع في الأديان ليتحول الموضوع رغم التوسع وازدياد السكان إلى قانون دون تعمق في فهم الأمر.

السماح لغير المسلم بممارسة حياته الطبيعية لا يمس المسلم بشيء، بل تلك هي طبيعة التعايش دون إضرار بالآخرين، فإن كان الأكل والشرب يجرحان مشاعر الصائمين فيجب علينا أيضا أن نفرض الصيام على جميع ما يعرض على التلفزيونات قبل الإفطار كذلك مراعاة لمشاعر الصائمين.

مجددا قد لا يجد هذا الموضوع الترحيب، بل قد يقابل بالاستنكار لكني لا أجد أن فرض دين واحد على الدولة يتسق مع العقل والمنطق.

ضمن نطاق التغطية:

حتى لو أراد المسلم ألا يصوم ويأكل ويشرب أمام الملأ فهو شأنه الخاص كشأن المسلم الذي لا يصلي ولا يحج ولا يؤتي الزكاة، فلا مبرر لمعاقبته على عدم أداء فريضة واحدة وبعقوبات غير مفهومة أو مبررة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

علي محمود خاجه

email: [email protected]
twitter: @alikhajah

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *