أ.د. محمد إبراهيم السقا

موجة خصخصة في السعودية.. أهمية إشراك المواطن

ليس خافيا عن نظر المراقبين ما يتم الإعلان عنه من وقت لآخر حول خصخصة بعض المشاريع العامة الكبرى في المملكة، ولعل على رأسها ما تم الإعلان عنه أخيرا من طرح بعض أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام، فقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، أن الرياض تدرس طرح أسهم شركة أرامكو في اكتتاب أولي، لتعزز خدمة أهداف شركة أرامكو وتحسين الشفافية في معاملاتها. قبل ذلك كان قد أعلن أيضا عن خصخصة بعض مطارات المملكة. فقد أعلنت هيئة الطيران المدني عن تخصيص مطار الملك خالد العام الجاري ولاحقا مطاري الملك عبدالعزيز والملك فهد.

هذا التحول في النهج يمثل ولا شك تطورا واضحا في فلسفة إدارة الاقتصاد السعودي من خلال إعادة التفكير في الدور الذي تقوم به الحكومة في الاقتصاد الوطني، وإعادة رسم ما تؤديه فيه من مهام، وهي الفكرة الأساسية التي طالما ناديت بها، ونصحت مرارا وتكرارا الدول الخليجية بإعادة النظر فيما تقوم به من مهام وما بلغته من حجم في اقتصاداتها المحلية، الذي يبدو جليا اليوم أنه أصبح نهجا غير مستدام.

فقد قامت عملية التنمية في البداية بشكل أساسي على عاتق القطاعين الحكومي والعام، وظلت الحكومة لفترة طويلة من الزمن محتكرة عملية تقديم السلع والخدمات العامة، والمالك الأساسي للأصول الرئيسة في الاقتصاد، مع ما يعنيه ذلك من تكلفة مالية هائلة وخسارة واضحة في كفاءة استغلال الموارد، مع ضعف المردود بشكل عام.

غير أنه أصبح من الواضح أن هذا النموذج للنمو لم يعد قابلا للاستدامة في المستقبل، في ظل التكاليف الضخمة المصاحبة لهذا النهج، أخذا في الاعتبار ضعف كفاءة استخدام الموارد، والأعباء المالية الضخمة على الموازنة العامة للدولة الناجمة عن الاحتفاظ بقطاع حكومي وعام ضخم جدا، ولا شك أن ضغوط الموازنة العامة للدولة في السنوات الأخيرة تبرز بوضوح طبيعة العبء المالي الهائل الذي تتحمله مالية الدولة نتيجة الاستمرار في أداء دور المالك الرئيس للأصول والمنتج الأساسي للسلع والخدمات العامة.

من وجهة نظري، فإن الإعلان عن بدء عمليات خصخصة من هذا النوع، سواء لكل أو لجانب فقط من الأصول العامة المنتجة في الدولة، هو بمنزلة إعلان للبدء في مشروع هائل للإصلاح الاقتصادي يستهدف رفع كفاءة استغلال الموارد في الدولة، وتخفيف أعباء المالية العامة، ودفع الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي العام، وبدء حقبة جديدة من التحول الهيكلي في الاقتصاد السعودي.

وقد أثبتت التجارب العالمية بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة بشكل عام هي مدير سيئ للموارد، ومن المعروف اقتصاديا أن وجود قطاع عام ضخم في الحكومة دائما ما يضر باعتبارات الكفاءة الاقتصادية في استغلال الموارد الوطنية، ويؤثر بشكل سلبي على معدلات النمو الكامنة للناتج والدخل والتوظيف.

ومما لا شك فيه أن دفع عملية النمو وزيادة كفاءة استغلال الموارد الوطنية يقتضي إعادة صياغة ذلك الدور، بحيث تفسح الحكومة المجال بشكل أكبر للقطاع الخاص ليلعب الدور الأساسي في عمليات الإنتاج والتوظيف وتوليد الدخل، على نحو أكفأ وأقل كلفة للمال العام، بحيث يقتصر دور الحكومة على ضمان حسن أداء النظام الاقتصادي، من خلال الاضطلاع بمهام التنظيم والرقابة وضمان الأمن وإقامة العدالة بين قطاعات المجتمع المختلفة، وضمان الاستقرار السياسي، أو باختصار ضمان بيئة أعمال مشجعة تضمن ارتفاع تنافسية الاقتصاد الوطني.

بالعودة إلى موضوع خصخصة أرامكو، أعتقد أن على الحكومة أن تتدرج نسبيا في عملية التخصيص، وألا تندفع نحوه بسرعة أو على نطاق واسع في البداية، فيمكن على سبيل المثال البدء بتخصيص الخدمات غير الجوهرية في الشركة. ذلك أن عمليات الخصخصة غالبا ما يصاحبها أخطاء، بصفة خاصة في عمليات التقييم العادل للأصول، وكيفية تخصيص الأسهم، وبما أن تجربة الخصخصة في المملكة محدودة نسبيا، فيفضل التمهل في البرنامج في مراحله الأولى حتى تكتسب الحكومة خبرة أوسع في عمليات تأهيل المؤسسات العامة وتقييمها بصورة صحيحة ثم طرح ملكيتها للجمهور لتلافي الأخطاء الفادحة التي يمكن أن تنشأ في المراحل الأولى لعمليات الخصخصة، وذلك لسببين، الأول أن الأخطاء في خصخصة شركة بحجم أرامكو مهما صغرت تصبح ضخمة، وثانيا أن نتائج هذه الأخطاء تصبح غير ممكنة الاسترداد، وذات أثر مالي ضخم.

من جانب آخر فإن شركة أرامكو تعد من أضخم الشركات في العالم من حيث القيمة الرأسمالية، إلى الحد الذي قد تكون فيه عمليات خصخصة بعض خدماتها أو تسهيلاتها أكبر من أن يستوعبها السوق المالي السعودي بطاقته المحدودة نسبيا، الأمر الذي قد يؤثر على القيمة السوقية للشركة.

غير أنني أعتقد أن إشراك المواطن في عملية الخصخصة هو أمر مهم جدا لنجاح البرنامج، ذلك أن عملية خصخصة الأصول العامة في السعودية تتطلب تسويقا جيدا لها بين الجمهور، فلا بد وأن يشعر المواطن بأنه يستفيد من عملية الخصخصة، ولكي يستفيد لا بد أن يطوله جانب منها، لذلك أقترح أن يراعى في عملية الخصخصة منح المواطنين جميعا الحق في تملك جانب ما سوف يتم طرحه من أسهم، وذلك إما من خلال أن يتم تخصيص نسبة محددة من الأسهم تعرض للاكتتاب على جميع المواطنين بالتساوي بسعر الإصدار أو بسعر مخصوم، أو ربما بصورة مجانية إذا كانت استراتيجية الحكومة في طرح الأسهم على الجمهور تسمح بذلك، لكن في جميع الأحوال ولضمان عدم تركز ملكية الأسهم في المؤسسات التي سيتم خصخصتها، لا بد من توسيع نطاق الملكية في هذه المؤسسات، من خلال تخصيص عدد محدد من الأسهم لكل مواطن يكتتب فيها كحد أدنى، مع وضع قيود زمنية حول قدرة الأفراد على إعادة بيع هذه الأسهم، ولا شك أن عملية تخصيص حصة من الأسهم لكل مواطن في عمليات الخصخصة لها مستهدفات متعددة، لعل على رأسها رفع ملكية الجمهور للأصول العامة. فقد كان من العوامل التي ساعدت على نجاح برنامج الخصخصة الضخم في بريطانيا هو تأكيد الراحلة السيدة تاتشر المستمر أنها تستهدف من هذه العمليات رفع الملكية العامة للأصول، وتحويل عموم المواطنين إلى مالكين لجانب من الأصول الإنتاجية في المجتمع.

من جانب آخر فإن إشراك المواطنين يشمل أيضا تخصيص نسبة من الأسهم بقيمتها الاسمية، أو بأي صورة أخرى، لمصلحة العاملين في المؤسسة التي يتم تخصيصها لإشراك العاملين في تلك المؤسسات في ملكية أسهمها.

لضمان حسن أداء المؤسسات التي سيتم تحويلها للقطاع الخاص وتوجيه نطاق عمل هذه المؤسسات لخدمة المواطن بصفة أساسية دائما ما يقترح أن تحتفظ الدولة بسهم ذهبي في تلك المؤسسات، لا تقل مدته عن عدد محدد من السنوات، مثلا خمسة وعشرون عاما، يعطيها الحق في الاعتراض – إذا رأت ذلك لازما – على تغيير النظام العام للمؤسسة بعد خصخصتها، بالشكل الذي يضمن استمرار المؤسسة في تقديم خدماتها بما يحقق مصلحة المؤسسة والمصلحة العامة للجمهور.

وأخيرا أعتقد أنه لا بد أن يتخذ قرار حول ما إذا كان سيسمح للأجانب بالاكتتاب في أسهم شركة أرامكو أم لا، أخذا في الاعتبار أن المستثمر الأجنبي أصبح من حقه دخول البورصة السعودية، وفي حال ما إذا كان سيسمح لهما بذلك، أعتقد أنه من الواجب وضع قيود حول الحد الأقصى لعدد الأسهم المسموح بتملكها من جانب الأجانب، من جانب آخر أعتقد أنه لا بد من وضع حد أقصى على ملكية الأسهم سواء كنا نتحدث عن المستثمرين السعوديين أم الأجانب وذلك للحد من عملية تركز الأسهم في يد عدد محدود من الأفراد أو المؤسسات الخاصة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

أ.د. محمد إبراهيم السقا

أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
[email protected]
@elsakka

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *