أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

عنق الزجاجة

من يراجع المتغيّرات التي لحقت بديموغرافية المجتمع الكويتي يشعر بألم وحزن شديدين، لما آلت اليه الأمور، ففي أواخر الخمسينات كان تعداد الكويتيين 113622 كويتياً، في حين كان عدد سكان الكويت 206473 نسمة، أي إن نسبة الكويتيين الى غيرهم من السكان كانت %55.
واليوم يبلغ عدد الكويتيين مليوناً و300 ألف نسمة، أي إن عدد الكويتيين تضاعف 11.5 مرة خلال ستين عاما، مما يعني أن نسبة النمو السنوي %20 وهي نسبة عالية بكل المقاييس، إذا لا تزيد نسبة النمو السنوية لسكان الدول في متوسطه عادة عن 2.5 في الدول، بل ومعدله الطبيعي في الكويت لا يزيد على 4.5 وهو ما يعني أن نسبة الزيادة لدينا تبلغ أربعة أضعاف ونصف الضعف عن مستوى زيادتنا الطبيعية، بل وتبلغ 8 أضعاف المتوسط الطبيعي للزيادة في دول العالم.
لا شك في أن هناك خللاً واضحاً في نسبة زيادة السكان بصورة صارخة، تتحمل وزره الحكومات المتعاقبة، وهو العلة في تغيير وتبدل كثير من قيم المجتمع وأعرافه وتفشي ظواهر دخيلة على المجتمع، كيف لا وأعداد الكويتيين تتضاعف كل 5 أعوام من رقم الأساس أو كل 10 سنوات في الوضع الراهن، وهو أمر مثير للقلق؟!
ولو محصنا ملف الجنسية والتجنيس لوجدناه تعرّض لكثير من العبث والتغييرات المتعمدة والمضرة بالمجتمع، تارة بسبب التوجه لإحداث تغيير بتركيبة المجتمع لخلق طبقة جديدة من المواطنين ارتباطها بالوطن مصلحي، وليس ولاء مبدئيا، مما يسهل السيطرة عليها، وتارة لكسب جولات انتخابات وإخراج المواطنين الأصليين من دائرة التأثير في القرار، حتى صار عدد الناخبين %400 من أعداد المواطنين في عام 1975 بالقياس الى النمو الطبيعي، مما جعل ملف التجنيس يخضع لحالات عشوائية من التجنيس، بل والتزوير، وتم التوسع في قبول الادعاءات، وهي جميعها أفضت الى ظواهر خطرة، منها ازدواج الجنسية، ولا نستبعد ازدواج الولاء، ظهور فئة من المواطنين التي ترتبط بدول أخرى وتدين لها بالولاء، مما يشكّل خطراً أمنياً مستمرّاً، تنامي طبقة من هؤلاء المواطنين لا تكترث بتاريخ الوطن ولا بتقاليده ولا مسلماته الاجتماعية والثقافية والدينية، وتطالب بتغييرها بصورة مستمرة، مما جعل تلك المسلمات وكأنها أمور دخيلة على البلد بكل أسف!
وهكذا صارت الكويت تختلف عما كانت عليه، وصار الوطن يعيش في غربة بين أبنائه، مما يحتم أن نسلك ما سارت عليه كل الدول في الحفاظ على هويتها الأصلية وموروثها الاجتماعي بتقنين ذلك، فالدول التي لا تمتد أعماقها لجذورها التاريخية سهلة الاقتلاع، وسيكون حصنها الداخلي هشا، وهي العبرة التي ينبغي أن ندركها في اعتبار سنة 1920 هي أساس للمواطنة التأسيسية، فبناء السور لم يكن بناء جدران وبوابات، وإنما كان بناءً نفسياً، يُزرع في وجدان كل فرد من أبناء الوطن.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *